د. القرضاوي: العالم يشهد حالة من التمرد العقلي.. والمسلمون بحاجة إلى علم كلام جديد
تحدث د. يوسف القرضاوي في ختام التعقيبات في هذه الجلسة، فأكد ضرورة التكامل في الشخصية المسلمة عملياً وفكرياً، حيث لا بد أن يكون المسلم معمراً في الأرض قائماً بحق الخلافة فيها وإقامة الحضارة تماماً مثل اهتمامه بالجانب الروحي.
وطالب د. القرضاوي بضرورة أن ترشد التربية داخل الجماعات والحركات الإسلامية من خلال مزج الفكر بالحركة، ومزج الفكر بالعمل، فليس مطلوباً أن يعيش الأكاديميون في برج عاجي، بل المطلوب هو التلاقح والتربية المتكاملة، وأكد أن الجماعات تحيا بالإنسان المفكر المتحرك الحر، مشيراً إلى أن القرآن مليء بالحوارات بين الله والملائكة، وبين الله وإبليس، وبين الرسل ومن أرسلوا إليهم، ونحن في حاجة إلى ذلك النوع من التربية المتكاملة.
الملامح العقيدية
وقال د. القرضاوي: إن العالم يشهد حالة من التمرد العقلي، وهذا لا يخيفنا، وعلينا أن نعرض عقيدتنا من خلال العقل المعاصر، والمسلمون الآن في حاجة إلى “علم كلام جديد” يعتمد على القرآن من ناحية، ويعتمد على العلم الحديث من ناحية أخرى، وعلينا أن نعيش عصرنا.
وقال: إن القرآن عندما يعرض العقيدة، فإنه لا يخاطب العقل الإنساني فقط، بل يخاطب الكيان الإنساني ويحرك القلب ويهز الوجدان ويحفز الإرادة، وقال: إن الإيمان هو المصدر الفذ لسعادة الإنسان، ونحن نريد إيماناً حياً، وليس إيماناً مخدراً لا يؤدي وظيفته، ومهمة الدعاة إزالة هذا التخدير، فالإيمان الحق والتوحيد الحق لا بد أن يتحول إلى عمل.
وأشار د. القرضاوي إلى أن الإمام الشهيد حسن البنا كان يجمع الناس ويجندهم ويربيهم تربية إيمانية وليست لفظية أو شكلية، وقال: ائتوني باثني عشر ألفاً من المؤمنين أفتح بهم العالم وأخوض بهم البحار، كما جاء في الحديث: “لم يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة”، فالمطلوب المؤمنون إيماناً حقيقياً، فليس مطلوباً 24 ألف “نصف مؤمن” أو 48 ألف “ربع مؤمن” أو 96 ألف “1/8 مؤمن”، فهذه الكسور لا تفيد، بل المطلوب مؤمنون يصبحون القادة والطلائع والمربون، ومن هنا نقول: إن التربية والفكر والعقيدة أمور متكاملة متداخلة متلازمة، فإذا أردنا أن نربي فلا بد أن يكون أساس التربية الإيمان، ولا تربية إلا بفكر صحيح سليم، فكر “علمي واقعي سلفي مستقبلي تجديد وسطي”، ولا تناقض بين هذا والإيمان، بل هي أمور متكاملة تساند بعضها بعضاً.
وأكد د. يوسف القرضاوي أن مسألة الغلو وتوسيع دائرة التكفير مسألة خطيرة يجب الانتباه إليها؛ لأن الأصل هو الاحتياط، وأشار إلى أن هناك أناساً يجب أن نقف لهم بالمرصاد؛ وهم أولئك الذين ينتقصون من الإسلام ويطعنون في القرآن وفي الرسول صلى الله عليه وسلم، ويريدون – مع هذا– أن يظلوا في دائرة الإسلام، وطالب بضرورة أن يحدد هؤلاء مواقفهم من الأساسيات والقطعيات والحاكمية، حيث إن الحاكمية لله سبحانه وتعالى، فإذا كنا نرفض التوسع في التكفير، فإننا نرفض أيضاً الذين يريدون أن يبقوا في جسم الأمة وهم ليسوا منها، ويرفضون قطعياتها وثوابتها ويريدون أن يظلوا مسلمين، وهذه مسألة في غاية الخطورة.
العدد (1091)، ص 36-38 – بتاريخ: 26 رمضان 1414هـ – 8 مارس 1994م.