أقام اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا ندوته الشرعية الثانية التي عقدت في مقر الكلية الأوروبية للدراسات الإسلامية، وقد تناول العلماء والمفكرون الإسلاميون فيها الحديث عن انطباعهم عن الندوة وتأثيرها على مسار توطين الدعوة في الغرب.
وكان أول المتحدثين د. يوسف القرضاوي، فقال: هذه هي المرة الثانية التي أشارك في مثل هذه الندوة الشرعية الفقهية التي تحاول أن تجيب عن تساؤلات المسلمين الذين يعيشون في هذه الديار، وأن تجد حلولاً لمشكلاتهم في ضوء الأحكام والأدلة الشرعية، ونحمد الله أن أصبح المسلمون في هذه الديار يحاولون أن يعيشوا مسلمين في كل أمورهم وعلاقاتهم وشؤونهم الخاصة والعامة؛ أي أنهم أصبحوا يريدون الالتزام بالإسلام.
قبل عصر الصحوة الإسلامية لم يكن الناس يسألون عن حكم الإسلام، فقد كانت حياتهم سائبة يفعلون ما يشتهون ويتركون ما يشتهون دون أن يسألوا أنفسهم: هل هذه الأعمال موافقة للشرع أم لا؟ الآن أصبحوا يريدون أن يكفوا أنفسهم وحياتهم وفق أحكام الشرع، وهذا تطور عظيم والحمد لله.
وانتقلت المسؤولية من الأفراد إلى العلماء، إلى علماء الشريعة ودعاتها، فعليهم أن يجيبوا عن تساؤلاتهم، وهذا ما حاولنا في هذه الندوة في ضوء الأدلة الشرعية، والحمد لله قد استطعنا أن نجد لكل سؤال جواباً، ولكل مشكلة حلاً، ولا توجد مشكلة إلا ولها حل في هذا الشرع، وما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه، وجهله من جهله، وهذه الشريعة حاكمة على جميع أفعال العباد لا يوجد فعل من أفعال المكلفين إلا وللشريعة فيها حكم من الأحكام الخمسة المعروفة، وأحمد الله أن وجدنا الشريعة بشمولها وسعتها ويسرها قد وجدت الحل المناسب الذي يسع الناس ولا يضيق عليهم معايشهم، فالشريعة بمقاصدها وقواعدها ونصوصها قد وجدنا فيها والحمد لله الأجوبة الشافية لهذه الأشياء التي يظنها بعض الناس من المشكلات.
ومن القواعد الشرعية أنه إذا ضاق الأمر اتسع، وأن المشقة تجلب التيسير، وأن هذا الدين قد رفع عنه الحرج؛ (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78)، فقد وجدنا في أحكام الشريعة ما يسد كل هذه الثغرات ويجب المسلمين بما يطمئنهم في دنياهم ويُبقي عليهم دينيهم.
هذه الندوات مهمة جداً لتوطين الدعوة في الغرب؛ لأن المسلم يستطيع أن يستقر في هذه البلاد بما يطمئن به على نفسه وأهله في دينهم ودنياهم، وأن يقوم بدعوته لغير المسلمين وتوعيته للمسلمين.
ومن خلال هذه الندوات وفي ضوء الدراسات التي تقدم لها والأجوبة الصادرة عنها، يعلم المسلم أنه يستطيع أن يعيش في هذه البلاد دون أن يفرط في دينه أو يتنازل عن شيء من دينه إذا صدقت نيته وصحت عزيمته، وكما قيل: “إذا صدق العزم وضح السبيل”.
وفي سؤال إضافي حول غياب المرجعية الإسلامية في الغرب، أجاب د. يوسف القرضاوي: بمثل هذه الندوات توجد هذه المرجعية، مع وجود بعض العلماء المقيمين في هذه الديار يستطيعون إجابة الإخوة عن الأسئلة السريعة، وأما المشكلات فتؤجل لمثل هذه الندوات التي يُدْعى إليها بعض العلماء والمقتدرين والمعتبرين عند الأمة والقادرين على الاجتهاد، والاجتهادات الجزئية أو الترجيحية، فمثل هذه الأمور في مقاصد الشرع وأدلته.
العدد (1113) ص40–43 – بتاريخ: 15 ربيع الأول 1415ه – 23 أغسطس 1994م.