تأتي الذكرى الثانية والأربعون على تأسيس حركة النهضة التونسية في أجواء عصيبة يعيشها أعضاء الحركة من موقع المعارضة، وقد تعرض الكثيرون منهم للاعتقال وعلى رأسهم مؤسسها الشيخ راشد الغنوشي الذي قارب التسعين عاماً، وما زال يناضل من أجل الإصلاح والنهضة المرجوة،
وقد أرسل الغنوشي في هذه الذكرى رسالة من محبسه للتونسيين وأعضاء حركة النهضة، وفي هذا الصدد أجرت «المجتمع» هذا الحوار مع سمية، نجلة الشيخ راشد الغنوشي، لنقف أكثر على تفاصيل الحدث ومستجداته وما تحمله الأيام القادمة.
والدي لا يتوقع من الرئيس غير المضي في القمع لأنه مهووس بالسلطة مغتر بها
تتطلع الجماهير العربية وخاصة أبناء «الربيع العربي» الاطمئنان على الحالة الصحية والنفسية للأستاذ راشد الغنوشي في معتقله، هل من أخبار في هذا الصدد؟
– هو بخير والحمد لله، رغم تقدمه في السن، فإنه يتحدى سجانيه بصبره وثباته، يقضي أوقاته بين العبادة والذكر والقراءة، والدي خبر السجن في شبابه وكهولته وهو يعود إليه اليوم في مطلع عقده التسعين.
وقد أرسل رسالة من سجنه تضمنت العديد من المضامين التي تتعلق بالقضية الوطنية التونسية، وتوصيات بالتزام الصبر والهدوء والحكمة في التعامل مع الأحداث.
ما أهم هذه المضامين التي حوتها الرسالة؟
– هذه المضامين موجهة لمناضلي حركة النهضة بمناسبة الذكرى الـ42 لتأسيسها، تتضمن دعوة للثبات على المنهج السلمي المدني في مقاومة الانقلاب، أما على المستوى الرسمي فلا يتوقع شيئاً من الرئيس قيس سعيد غير المضي في خيار القمع وفتح السجون أمام المعارضين؛ لأنه مهووس بالسلطة مغتر بها، غير عابئ بمشكلات البلاد، منكب على المحاكمات السياسية والملاحقات البوليسية، أما على المستوى الشعبي فقد أدرك الكثيرون المكانة الفكرية والسياسية التي يحظى بها الغنوشي، ونزاهته الأخلاقية، بما يرفع منسوب التعاطف والثقة فيه يوماً بعد آخر، مقابل انعدام الثقة في الانقلاب والانقلابيين.
العدالة معطلة بصورة كاملة بعدما سطا سعيد على السلطة بالقوة المسلحة وحل مجلس القضاء
ما تعليقكم على طبيعة التهم الموجهة للغنوشي، وطبيعة تعامل قوات الأمن معه، ودور القضاء في تحقيق العدالة في هذه القضية؟
– التهم الموجهة للغنوشي سخيفة في حقيقة الأمر، تدور كلها حول التآمر على أمن الدولة، ومحاولة تغيير هيئة النظام والتحريض على العنف، والغريب في الأمر أن تصدر هذه التهم عن رجل قد غير واقعياً هيئة الدولة بنصب الدبابات أمام مجلس نواب الشعب وحل المؤسسات وتمزيق الدستور الذي أقسم على احترامه، وبرع في التحريض وبث لغة الكراهية والعنف، عبر نعت معارضيه بالجراثيم والسرطانات والشياطين والمخمورين والخونة والمتآمرين، وغيرها من الشتائم التي يتفنن في إطلاقها يمنة ويسرة.
للأسف، العدالة اليوم معطلة بصورة كاملة بعدما سطا سعيد على السلطة بالقوة المسلحة وحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب وعوضه بمجلس منصب على مقاسه، وعزل 57 قاضياً بجرة قلم، ثم توعد القضاة مزمجراً: «من لم يحكم ضدهم فهو شريك لهم»، القضاة اليوم يقعون تحت سيف التهديد والوعيد بعدما حولهم سعيد إلى مجرد وظيفة تابعة، على حد تعبيره، وما عادوا يشكلون سلطة مستقلة تسهر على تحقيق العدل والإنصاف.
ما تأثير اعتقال الغنوشي على الحركة السياسية التونسية؟
– طبعا، الشيخ الغنوشي له موقع متقدم في الساحة السياسية رغم كل ما تعرض له من تحريض واستهداف، لكن الحركة السياسية التونسية تشهد نوعاً من الاستفاقة والتوحد في مواجهة الانقلاب، بعدما أدرك الجميع حجم التهديد، مع توسع الاعتقالات، بما يوجه رسالة أن المستهدف من موجة القمع لم يكن الغنوشي أو «النهضة» فحسب، بل كل القوى السياسية وكل من يرفع صوته ضد الانقلاب والانقلابيين.
الحركة السياسية تشهد نوعاً من الاستفاقة والتوحد بعدما أدرك الجميع حجم التهديد
كيف تقبلت أسرتكم نبأ اعتقال الغنوشي؟ وما المسارات الرسمية القانونية والشعبية التي تحركتم فيها لخلخلة المشهد؟
– الأسرة، كما هو شأن الشيخ الغنوشي، كانت تتوقع الاعتقال في أي وقت وحين، فمن أقدم على إلغاء الدستور وكتابة آخر بنفسه، وتجرأ على حل كل المؤسسات لن يتورع عن الزج بمعارضيه في السجن، بحمد الله الأسرة صامدة، وعلى رأسها والدتي أدامها الله، المرأة العظيمة الفاضلة التي كانت دائماً خير سند لوالدي في كل ما مر به من محن وشدائد عبر السنين، منذ كانت في عنفوان شبابها تزوره في سجنه زمن بورقيبة تشد من أزره وتخلفه خيراً في أبنائه، وهي من أهم مكامن قوة والدي وثباته.
هل ترون ضغط الرأي العام العالمي من الممكن أن يؤثر في تغيير المشهد؟ وهل ترون التحركات الحالية معبرة عن غضب الشعوب وخاصة أبناء «الربيع العربي»؟
– نعم رأينا تعاطفاً كبيراً من القوى المناصرة للحرية والعدالة في مختلف عواصم الغرب والشرق، حيث صدرت عشرات البيانات تطالب بإطلاق سراح الشيخ الغنوشي والمعتقلين السياسيين، ومن ذلك بيان صادر عما يزيد على مائتي شخصية أكاديمية وفكرية من الغربيين، وآخر صادر عن شخصيات قومية عربية، وعن علماء المسلمين وغيرهم.
شعوب الثورات العربية محبطة من عودة سياسات القمع لكن عوامل النقمة تتراكم وستأتي لحظة انفجارها
نعم شعوب الثورات العربية محبطة وغاضبة من عودة سياسات القمع وتكميم الأفواه في أنظمة باتت أشد بطشاً وعنفاً وأكثر تخلفاً من تلك التي ثارت عليها سابقاً، لكن عوامل النقمة تتراكم وستأتي اللحظة المناسبة التي تنفجر فيها الشعوب في مواجهة الطغاة الجدد.
ما تعليقكم على بيان 300 من كبار علماء الأمة يمثلون 30 دولة طالبوا بإطلاق سراح الغنوشي؟
– بيان مهم يعبر عن تضامن قادة الأمة ووجهائها مع الشيخ الغنوشي، بما يدل على المكانة العلمية والفكرية التي يحظى بها في قلوب المسلمين وعلمائهم، كيف لا وهو الذي سخر حياته للدفاع عن مشروع نهوض الإسلام وعزته في إطار الحرية والديمقراطية، وهذا المشروع كسب له جمهوراً من المثقفين والأكاديميين والحركيين المسلمين في كل مكان من العالم الإسلامي وخارجه.
هل ترون أن الحكومة التونسية والرئيس سعيد قد تدخلا لاعتقال الغنوشي؟ وما السبب في ذلك؟
– كل ما يجري في تونس يحدث بأوامر وتعليمات من سعيد الذي وضع كل السلطات بين يديه، وهو الذي يتحكم اليوم في القضاء بالوعد والوعيد، والقاضي الذي لا يخضع لأوامره يقابل بالطرد وحتى السجن، ومع ذلك ما زال قطاع واسع من القضاة الأشاوس يقاوم هذا المشروع السلطوي الجديد الذي يسير بتونس نحو الخراب والدمار.
لا خروج من المشهد الكالح إلا بسقوط الانقلاب وكل ما بني عليه والعودة للدستور والشرعية
ما توقعكم لسيناريوهات الخروج من هذا المشهد المربك؟
– لا خروج من هذا المشهد الكالح إلا بسقوط الانقلاب وكل ما بني عليه، والعودة لإطار الدستور والشرعية وحكم المؤسسات، خاصة بعدما قاطع الشعب التونسي برلمان سعيد وخارطة طريقه، بما يدل على أنه صار فاقداً للشرعية والمشروعية التي يدعيها، وسيندحر مشروعه الفوضوي عاجلاً أو آجلاً بحول الله، وتستعيد تونس ثورتها وحريتها ومكاسبها السياسية التي دمرها هذا الانقلاب البائس.