رغم الدراسات الصهيونية التي حذرت من الارتفاع القياسي في معدلات الهجرة العكسية إلى خارج الكيان، فإن هروب «الأدمغة» الصهيونية أو إغراءها للخروج لا يزال مستمرًا، ويمثل صداعًا لكبار المسؤولين الأمنيين في الفترة الراهنة.
أحدث الدراسات الجديدة تؤكد أن واحدًا من كل خمسة مهاجرين إلى الكيان الصهيوني غادر البلاد حتى الآن، وهي نسبة مرتفعة قياسًا بالإغراءات الصهيونية التي تقدمها «تل أبيب» للمهاجرين الجدد التي تثبت فشل «بوتقة الصهر» الصهيونية.
تهديد للكيان
الجمعة الماضي، نشرت القناة الـ«12» العبرية تقريراً مفاده سرقة أو هروب «الأدمغة» أو خبراء الإنترنت الصهاينة خارج بلادهم، خاصة المتخصصين في نظام الدفاع الجوي الصهيوني، وصناعة الإنترنت الهجومية، وخبراء «الهاي تيك»، بعدما تستقطبهم أو تسرقهم جهات أمريكية ودولية أخرى، عبر عروض عمل مغرية؛ ليحذر معها المسؤولين الصهاينة من تأثير تلك الهجرة على مستقبل كيانهم المزعوم، كونها تمثل خطوة خطيرة ترمي إلى انتزاع المعرفة التقنية من الكيان إلى خارج أراضيه، ليهدد بدوره القدرات الخاصة بالجهات الاستخباراتية الداخلية التي تعكف على تدريب وتشغيل المتخصصين منهم في وزارة الدفاع الصهيونية، أو ربما يمثل سهماً في خاصرة هذا الكيان مستقبلاً.
قناة عبرية كشفت تلقي خبراء إنترنت صهاينة عروضاً مغرية من شركات أمريكية وإسبانية
شركات أمريكية وإسبانية متخصصة في الذكاء الاصطناعي نجحت في تجنيد 4 خبراء صهاينة متخصصين في الإنترنت أو «الهاي تيك» خلال الأسبوعين الماضيين فقط؛ ما اعتبرها الأمنيون جرس إنذار، ربما تمثل نقطة ضعف على الكيان في المستقبل، رغم اعترافنا دوماً بأن «مَن يطلب هجرة وطنه الأم؛ يتسم بانعدام إحساسه بالمواطنة».
بيد أن الكيان الصهيوني لم يعد قادراً على استيعاب هؤلاء الخبراء أو المتخصصين في تكنولوجيا وتقنية الإنترنت، أو تلبية احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية؛ ما يدفع بنسبة كبيرة منهم إلى الهجرة المضادة أو العكسية، خارج الكيان الصهيوني، تلك الهجرة التي تعكس قناعة كبيرة بعدم الاستقرار والرضا، وحاجة للبحث عن وطن بديل، وطن دائم، وليس وطناً مؤقتاً مثل هذا الكيان.
في أبريل الماضي، كشف تقرير لوزارة الهجرة الصهيونية أن أكثر من 47% من الصهاينة المغادرين بلادهم أو المسافرين خارجها قرروا عدم العودة إليها، موضحة أن هناك نحو مليون صهيوني يعيشون خارج بلادهم، نصفهم لا يريد العودة إليها أبداً؛ أي هاجروا للأبد دون عودة، بعد تحسن وضعهم الاقتصادي في الدولة الأجنبية التي يعيشون فيها في الوقت الحالي.
تزايد معدلات الهجرة
لم يقف الكيان أمام تحذيرات المسؤولين لارتفاع معدلات الهجرة العكسية، وإنما توقع أحد الحاخامات أن تشهد بلاده حرباً أهلية، وحالات من الاغتيال السياسي للزعماء أو القتل الانتقائي لأحد القادة، كما جرى لإسحاق رابين، رئيس الوزراء السابق، في العام 1995م؛ كما توقع هجرة مضادة أضخم من ذي قبل، فقد أظهرت قناة عبرية في مايو 2021م، توقعات بنشوب حرب أهلية ضارية على المدى القريب، بين اليهود أنفسهم، ليشهد الكيان الصهيوني حالة من التفكك والانهيار تليها انتفاضة داخلية بين المستوطنين أنفسهم؛ ما يؤدي في النهاية إلى الهجرة العكسية للنخب والكفاءات الصهيونية إلى الخارج.
مفهوم الهجرة لدى الصهاينة حمل في طياته خلال العقود الأولى من عمر الكيان الحديث عن «الأرض الموعودة»، التي تفيض لبناً وعسلاً، ولكن هذا المفهوم قد تغير إلى «الصهيونية النفعية» أو «صهيونية المرتزقة»، خاصة مع عدم توفر العمل والسكن المناسبين، وقلة فرص العمل المتاحة، مقابل توفر فرص أفضل وأنجح للعمل وكسب المال في الأماكن المراد الهجرة إليها، بل وإقامة دائمة ومستقرة، ما يعني أن العامل الاقتصادي والاستقرار يمثل بالنسبة للراغبين في الهجرة من وإلى الكيان الصهيوني عوامل طرد وجذب، بل ونفعي في آن واحد.
أكثر من 47% من الصهاينة المغادرين الكيان قرروا عدم العودة إليه
سنوات السبعينيات وما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي إلى دويلات، شهد الكيان موجات هجرة جماعية، ادعى بعض المهاجرين الروس خلالها اعتناقهم للديانة اليهودية (رغم حفاظهم على ديانتهم الأصلية، المسيحية أو الإسلامية) لأهداف وأغراض اقتصادية واجتماعية وأمنية؛ وذلك من أجل الهروب من دول الاتحاد السابق إلى الدول الغربية، عبر «تل أبيب»، باعتبارها محطة «ترانزيت» مناسبة لهم لبعض الوقت.
الغريب أن بعض الحاخامات كان «يُهوِّد» هؤلاء المهاجرين مقابل حفنة من الدولارات، والبعض الآخر كان «يُحرّم» ترك الكيان الصهيوني والهجرة خارجه لفترة طويلة، ورغم ذلك فرَّ الكثير من الروس عائدين إلى موطنهم الأصلي بعدما اكتشفوا الخداع الصهيوني على أرض الواقع، رغم تأكيدنا أن جزءاً منهم نجح في الهجرة إلى أمريكا أو فرنسا أو إنجلترا.
مع تزايد معدلات الهجرة الأبدية من الكيان إلى الخارج، انتشرت نكتة «إسرائيلية» تقول: إنه «على آخر من يغادر مطار بن غوريون أن يطفئ الأنوار».
هروب الأدمغة النفعية أو العقول المدبرة خارج الكيان الصهيوني لم يعد يمثل «ظاهرة» في حد ذاته، بل أصبح أمراً واقعياً، رغم الارتفاع القياسي في حالات الهروب، لكنه أضحى صداعاً في رأس المؤسستين العسكرية والسياسية في الكيان.