لا نزال نحن الدعاة إلى الإسلام مطالبين إلى هذا اليوم وإلى ما بعده بإنفاذ قوله عز وجل: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) (الروم: 60)، وقوله: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) (ق: 39)، وقوله: (وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (الحجر: 85)، وقوله: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (المعارج: 42)، وقوله: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ {21} لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية).
وما أشبه ذلك من الآيات التي تملأ فؤاد المسلم بالشعور الصحيح في كل طور من أطوار الدعوة إلى الله، والتي تعلمه مساندة الحق بالثبات والسكينة، وبارتفاع النفس عن المهاترة والتشفي.
إن هذه الآيات ترسم أطرافًا من سياسة الدعوة إلى الله لا يلحقها نسخ ولا يمكن إهمالها حين تبني العلاقات بين المسلمين وغيرهم من أهل الأرض، ومثلها في الخلود قوله تعالى: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة: 190).
فقتال العدوان لا يحله الله لأحد من خلقه، ولا يمكن أن ينتصر به حق، ولا أن ينخذل به باطل، والوسائل الشائنة لا تقر بها فضيلة، ولا يتوطد بها إيمان، وإذا كنا نحتقر هذا اللون من الحروب أياً كان مشعلها، فنحن لا نهمل حق الإيمان في تمسك أصحابه به، وحرصهم على حياته وكرامته.
ويستطيع الإنسان أن يموت دون عقيدته في مقام لا تلحقه ريبة، ولا يشتم منه طغيان ولا تحدّ، ويستطيع أن يلحق بخصومه أبلغ الأذى، وهو مستمكن من قوته، ومطمئن إلى عقباه، والإسلام يرفض المسلك الأخير، ويستحب المسلك الأول.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة: 8).
ومبدأ المعايشة السلمية الذي نسمعه الآن في الشرق والغرب، ولا نلمح من ورائه نية صالحة، ليس بدعة ابتكرها عصرنا الحاضر، وإنما هو نبت إسلامي عرف في أرضنا وحدها، وحمله المسلمون إلى الناس هنا وهناك.. والصياح به قد يقبل بعد اصطلاح الأم كلها على تحرير الأرقاء وترك المستعمرات لشعوبها المهيضة، وترك الأديان جميعًا تعرض عقائدها وتعاليمها على الضمائر والأذهان دون سدود ولا قيود.. أما قبل ذلك، فالرضا عن المظالم لن ينشئ سلامًا.
_____________________
من كتاب «نظرات في القرآن الكريم».