في عصر وسائل النقل فائقة السرعة التي تقطع الرحلة من أي بقعة من بقاع الأرض إلى مكة المكرمة في ساعات، يفضل البعض التوجه لأداء مناسك الحج بوسيلة بدائية تجعلها تستغرق شهوراً وأسابيع، في محاولة لاستحضار ومعايشة روحانيات هذه الرحلة المقدسة لأطول فترة ممكنة.
الشاب الفرنسي نبيل النصري، ربما كان أحدث هؤلاء الأشخاص الذين انطلقوا في رحلة طويلة إلى المملكة العربية السعودية باستخدام وسيلة نقل بدائية تحاكي طرق الحج القديمة التي كانت تعبر الصحاري على ظهور الإبل.
وفي مايو الماضي، وصل النصري على متن دراجة هوائية، إلى تركيا محطته الحادية عشرة في رحلته التي بدأها من فرنسا في أبريل الماضي لأداء فريضة الحج بالأراضي السعودية التي قد تكون محطته الثالثة عشرة بعد أن يعبر العراق.
النصري ذو الأصول المغربية، أوضح أنه يريد بهذه الرحلة الشاقة إحياء تجربة الحج التقليدي التي اتبعها المسلمون في الماضي، بحسب وكالة «الأناضول».
وسبق النصري إلى هذه الرحلة بنفس الوسيلة في العام الحالي اللاجئ السوري المقيم في ألمانيا غازي جاسم شحادة.
ووفقاً لما نشره أقارب شحادة على مواقع التواصل الاجتماعي وتناقلته العديد من وسائل الإعلام فإنه قضى 73 يوماً في رحلة من ألمانيا إلى مكة مستخدماً دراجته الهوائية.
لكن شحادة الذي تعود أصوله لمدينة حمص السورية والبالغ من العمر 53 عاماً توفي إثر وصوله مكة في فبراير الماضي.
ووثق شحادة أيامه ولحظاته خلال هذه الرحلة المباركة عبر حساباته الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، وبمجرد وصوله إلى مكة المكرمة أدركه الموت، ليصلى عليه في المسجد الحرام بدلاً من أن يصلي فيه.
سيراً على الأقدام
رحلة شحادة التي استخدم فيها دراجته الهوائية، ربما كانت أكثر يسراً من رحلة آدم محمد، المواطن البريطاني ذي الأصول العراقية، الذي وصل مكة المكرة العام الماضي قادماً من لندن سيراً على الأقدام لأداء مناسك الحج.
وخلال رحلة تحاكي طريقة حج من لا يملكون ظهراً في فجر الإسلام، وصل محمد إلى الأراضي السعودية بعد 10 أشهر و26 يوماً سيراً على الأقدام.
وقطع محمد أكثر من 6500 كيلومتر في الرحلة التي بدأت من بريطانيا وعبر خلالها 9 دول، هي هولندا وألمانيا وجمهورية التشيك والمجر ورومانيا وبلغاريا وتركيا وسورية والأردن.
وعن سبب إقدامه على هذه الخطوة، قال محمد: كان هناك صوت قوي بداخلي يقول: إن بإمكاني الذهاب إلى مكة بالمشي على طول الطريق من منزلي، لم أستطع تجاهل هذا الصوت، كان يحترق بداخلي مثل البركان، واصفاً هذه التجربة بأنها: «أسمى وأغلى أمنياتي».
وأوضح أنه عند وصوله لمكة المكرمة تحمل أشكالاً عديدة من المتاعب والصعوبات بما في ذلك ظروف الطقس القاسي والمتغيرة لمجرد الوصول إلى بيت الله الحرام لتأدية مناسك الحج.
العودة للعصور القديمة
لم يكن شحادة، ومحمد، الوحيدين اللذين أقدما على التوجه للحج في رحلة طويلة بطريقة بدائية أو غير تقليدية، فقد سبقهما الكثيرون من بينهم 8 حجاج مسلمين قدموا من لندن إلى مكة على متن دراجاتهم.
الرحلة التي رصدتها وكالة «رويترز»، قبل أعوام، استغرقت من فريق الدراجين الهواة شهرين مروا خلالها بـ17 دولة في 3 قارات من لندن إلى مكة المكرمة.
وبحسب قائد الفريق طاهر حسن أختر، فقد عبروا في رحلتهم أراضي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وسويسرا ولختنشتاين والنمسا وسلوفينيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك وصربيا وكوسوفو وبلغاريا واليونان وتركيا ومصر والسعودية.
الرحلة المفعمة بالروحانيات استشعاراً بالقدوم على بيت الله الحرام الذي تهوي إليه الأفئدة، قطع المشاركون فيها حوالي 6440 كيلومتراً.
وعن سبب خوض الرحلة بهذه الطريقة، قال طاهر محمود، أحد أعضاء الفريق: هذه الرحلة في سبيل الله وحده، والرسالة التي نريدها أن تصل هي أن نكون قريبين قدر الإمكان من العصور القديمة عندما كان الناس يسافرون على ظهور الجمال أو الخيل، وهو شيء لن يعرفه الكثيرون ولا حتى في أحلامهم.
وأضاف محمود، البالغ من العمر آنذاك 43 عاماً، أنها رسالة عن استحقاق الأجر وركوب الصعاب، ثم يأتي اليُسر في الختام.
لم يكن التحدي الوحيد في الرحلة هو طولها، فقد شهدت تحديات بدنية، كصعود جبال الألب السويسرية على ارتفاع يصل إلى 3 آلاف متر فوق مستوى سطح البحر، ولوجستية، مثل اكتشافهم بعد أن صعدوا على متن العبارة من ميناء الغردقة المصري في طريقهم لميناء ضباء السعودي أنهم لا يحملون التأشيرة المناسبة لهذه الرحلة ليعودوا إلى العاصمة المصرية، القاهرة، على متن طائرة صغيرة لم تتسع لدراجاتهم التي تركوها وراءهم.
المصاعب التي واجهها الفريق لكنها هانت أمام روحانيات الرحلة، شملت أيضاً فراق الأهل وتغير الطقس من موقع إلى آخر، وصعوبات العثور على الطعام الحلال في عدد من الدول الأوروبية التي مروا بها خلال رحلاتهم.
وتبدأ مناسك الحج في الثامن من شهر ذي الحجة حيث يحرم الحجيج من مواقيت الحج المحددة، قبل أن يتوجهوا إلى مكة ليؤدوا طواف القدوم، ثم يتوجهون إلى منى لقضاء يوم التروية قبل أن يصعدوا إلى عرفات لقضاء يوم عرفة.
وبعد ذلك يرمي الحجيج الجمرات في جمرة العقبة الكبرى، ثم يعودون إلى مكة المكرمة ليقوموا بطواف الإفاضة، ثم يعودون إلى منى لقضاء أيام التشريق وبعدها يعودون مرة أخرى إلى مكة لتأدية طواف الوداع ومغادرة الأماكن المقدسة.