إبراهيم صالح
أدى الآلاف من مسلمي إثيوبيا، الأربعاء، صلاة عيد الأضحى المبارك، في استاد العاصمة، أديس أبابا وسط مشاركة رسمية وشعبية واسعة، ودعوات للتسامح والوحدة تضمنتها رسائل المهنئين وكلمات المتحدثين خلال صلاة العيد.
ومنذ ساعات الصباح الباكر يوم العيد، توافد آلاف المصلين من كل أحياء العاصمة أديس أبابا، بأزيائهم الزاهية مهللين ومكبرين عبر الطرقات الرئيسية المؤدية إلى ملعب ” استاد العاصمة ” لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك، في مشهد كرنفالي بهيج، وتنظيم وترتيب دقيق من قبل الشباب والمنظمات الخيرية بالتنسيق مع المجلس الإسلامي، والتي عادة ما تقوم بالإعداد والترتيب للمناسبات الدينية لمسلمي إثيوبيا، بزيهم المميز وشاراتهم التي زُينت بالأهلة كرمز إسلامي.
تهنئة ممزوجة بدعوات التسامح
وعشية عيد الأضحى، دعا رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا، الشيخ إبراهيم توفا، المسلمين إلى التسامح والوحدة والتكافل، وحث المجتمع الإسلامي إلى منح الصدقات للمحتاجين ودعم بعضهم البعض خلال عيد الأضحى المبارك.
وضمن رسالة التهنئة عبّر بها رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، عن أطيب تمنياته لجميع المسلمين في جميع أنحاء العالم بعيد الأضحى المبارك، داعيا مسلمي إثيوبيا لنشر ثقافة السلام والوحدة ودعم المحتاجين خلال الاحتفال بالعيد، مشيرا الى أن الحجاج الإثيوبيين شاركوا في مناسك الحج لهذا العام بأعداد مقدرة.
وشدد الشيخ توفا، على ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار، وقال: “إن الوحدة والتسامح والحب تتجلى في الاحتفال بالعيد ومن الأهمية أن نتعاون ونتكاتف في مساعدة الفقراء والإكثار من أعمال البر والإحسان والتسامح فيما بيننا.
يشار إلى أن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في إثيوبيا ظل يعمل تحت مظلة الهيئات والمنظمات المستقلة، متوليا رعاية شؤون المسلمين بالبلاد، قبل أن يتم إضفاء الشرعية القانونية عليه من البرلمان 2020، وتم بموجبه تحويل المجلس من مؤسسة أهلية إلى هيئة وطنية سيادية تسنّ القوانين وتنشئ المؤسسات الخاصة بمسلمي إثيوبيا، وهو ما اعتبر حينها إنجازا غير مسبوق لمطالب استمرت نحو 6 عقود.
وبعد عامين من مصادقة البرلمان الإثيوبي على مرسوم منح المجلس وضعا قانونيا، شكل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا قيادته الجديدة، وتم انتخاب 30 عضوا اختير منهم 14 عضوا للجنة التنفيذية للمجلس، برئاسة الشيخ إبراهيم توفا.
بدوره هنأ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، مسلمي إثيوبيا والعالم بحلول عيد الأضحى، داعياً إلى الاحترام المتبادل والتعاون والوحدة خلال عطلة عيد الأضحى.
وأكد آبي أحمد، في رسالة عشية عيد الأضحى المبارك، على الوحدة والسلام من أجل إثيوبيا والعمل لبناء دولة يتحد فيها أبناؤها ويحترمونها، ويعيشون في سلام ومحبة، وفق تعبيره، وقال: “دعونا نتحد من أجل إثيوبيا حتى لو أتينا من أماكن مختلفة، ونتحدث لغات متعددة ونتبع ديانات متنوعة، وأضاف: أن عيد الأضحى هو عيد يحتفل به المسلمون بوقار وحب كبيرين ويجب أن نعيش هذه القيم في حياتنا.
ولفت آبي أحمد، الى أن المسلمين من جميع أنحاء العالم يجتمعون في جبل عرفات بغض النظر عن الاختلافات فيما بينهم للمشاركة في صلاة وأداء فريضة الحج، قائلا: تتوحد الأهداف والغايات رغم تباين الألوان والعرقيات واختلاف اللغات، داعيا إلى ضرورة استخلاص الدروس من هذا الحدث وإعطاء الأولوية لتعزيز الوحدة الوطنية.
كلمات تدعو للسلام
وعلى الرغم من أن الكثيرين من مسلمي العاصمة القادمين من الأقاليم يفضلون قضاء عيد الأضحى في قراهم ومواطنهم الأساسية بأقاليم البلاد المختلفة وسط أهاليهم، امتلأ الاستاد وامتدت صفوف المسلمين في الطرق المؤدية إليه وسط مشاركة رسمية حضرها ممثل عن عمدة مدينة أديس أبابا، بجانب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا، وعدد من أئمة وعلماء إثيوبيا، وممثلين لسفارات الدول الإسلامية في أديس أبابا.
من جانبه، دعا خطيب العيد، الشيخ طه محمد هارون، المسلمين إلى السلام والوحدة والتكافل، وقال خلال خطبة العيد: “يجب أن نجعل من العيد مناسبة للسلام والتسامح والتكافل، مؤكدا على أن الإسلام دين محبة ورأفة وتراحم ويجب أن نجعل من العيد مناسبة لهذه القيم الفاضلة.
ولفت الشيخ طه إلى أن التعاطف والإحسان قيمتان أساسيتان في الدين الإسلامي في جميع الأوقات، وأضاف أنه من الأهمية أن نتعاون ونتكاتف في مساعدة الفقراء والمحتاجين.
ويعود تاريخ الإسلام في الحبشة (إثيوبيا) إلى الهجرتين الأولى والثانية لصحابة رسول الله “محمد صلى الله عليه وسلم”، عندما أوصى نبي الإسلام أصحابه المضطهدين في مكة قائلاً: “إن بأرض الحبشة ملكاً لا يُظلم عنده أحد، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه”، في إشارة إلى ملك الحبشة المسيحي آنذاك “النجاشي“.
ونقلت وسائل الإعلام المحلية، احتفالات عيد الأضحى في جميع أنحاء إثيوبيا خاصة المدن الرئيسية وعواصم الأقاليم الإثيوبية، بجانب العاصمة أديس أبابا التي تجمع فيها عشرات الآلاف من المسلمين في استاد أديس أبابا حيث أقيمت صلاة عيد الأضحى، فضلا عن مشاركة المئات من المسلمين في العديد من المدن والبلدات الرئيسية بإثيوبيا.
سلطي نموذج إسلامي فريد
ويحتفل مسلمي إثيوبيا بعيد الأضحى بطرق مختلف وفريدة ولعل أبرز اهتماماتهم بالعيد تبدأ بالصلاة حيث يتجمع المسلمون في الميادين العامة، وينتقل الإثيوبيون للاحتفال بالعيد في جو عائلي بإحضار المأكولات والمشروبات مثل الكتفو، وأباشي، والموفو، في القرى والريف، كما تفضل بعض الأسر بذبح البقر أو أغنام في طقوس خاصة بعيد الأضحى.
وقال الشيخ عبدالهادي أحمد برهان أحد قيادات قومية سلطي جنوب إثيوبيا: “إن مسلمي إثيوبيا يحتفلون بالعيدين الفطر والأضحى خاصة الأخير حيث يتم الاستعداد له منذ أيام وشهور لمكانته الكبيرة عند المسلمين، مشيرا الى أنهم عادة ما يؤدون صلاة العيد في الميادين العامة بالمدن الرئيسية التي بها غالبية مسلمة.
وأوضح الشيخ برهان في تصريحات لمجلة المجتمع، متحدثا عن كيفية احتفالات مسلمي إثيوبيا بعيد الأضحى المبارك: “إن أغلب مسلمي إثيوبيا بالعاصمة أديس أبابا قادمين من الأقاليم ويفضلون قضاء عيد الأضحى في قراهم ومواطنهم الأساسية بأقاليم البلاد المختلفة وسط أهاليهم.
ولفت برهان وهو أيضا عضو اللجنة التنفيذية بالمجلس الإسلامي بإثيوبيا، الى أن قومية “سلطي” ذات الأغلبية المسلمة، لها طقوس فريدة واهتمام متميز بعيد الأضحى المباركة.
وأضاف: أن أبناء سلطي، يجهزون لعيد الأضحى منذ عام خاصة النساء اللاتي يجهزن لوازم العيد فيما يتعلق بالأطعمة من السمن والبهارات وحتى البخور ولوازم الاحتفال بأيام العيد والت عادة ما تستمر هذه الاحتفالات لأكثر من أسبوع في المنطقة.
و”سلطي” هي إحدى قوميات شعوب جنوب إثيوبيا، تعود أصولها إلى جزيرة العرب قبل أن تحط رحالها في منطقة “هرر” شرقي إثيوبيا، لتنتقل منها إلى إقليم شعوب جنوب إثيوبيا في منطقة أطلقت عليها مؤخرا محافظة سلطي.
وقال برهان: إن صيام يوم عرفة لدى قومية السلطي يعرف بيوم الفرح والسعادة لنساء السلطي ويخصص مساء ذلك اليوم قبيل الإفطار لاحتفال النساء بعد أن يجهزن أنواع الأطعمة غير اللحوم الذي سيكون الاحتفال به في يوم النحر كما هو لدى جميع المسلمين، مشيرا الى أن هذه الثقافة يشارك فيها أيضا نساء قومية القراقي بجنوب البلاد.
وأضاف: يعتبر عيد الأضحى لدى السلطي موسم للزواج والتسامح الأسري حيث يحضر جميع الأبناء من مختلف المناطق لمشاركة الأسرة بعيد الأضحى وطلب العفو من الوالدين، لافتا الى أن العيد بمنطقة سلطي يستمر لأكثر من أسبوع حيث تنظم الزيجات وغالبا ما تتم الخطوبة للأبناء والبنات خلال هذه الفترة تبركا بهذه الأيام المباركات.
وتتميز قومية “سلطي” بزيها التقليدي، حيث يعرف رجالها بالكوفية المصنوعة من القماش القطني مطرزة بالألوان البرتقالي والأبيض والرمادي، فيما ترتدي النساء فساتين وخمار بذات الألوان كشعار تعرف به القومية في زيها الشعبي.