علماء الدين الذين لا يخشون في الحق لومة لائم، هم ضمير الأمة وقلبها النابض ودرعها ضد التطاول على الإسلام والأمة الإسلامية، ومن هؤلاء العلماء الشيخ يوسف القرضاوي، أحد أبرز علماء المسلمين في الوقت الراهن، الذين لهم دور فاعل في الدفاع عن قضايا الأمة المصيرية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
“المجتمع” التقته مؤخراً بالقاهرة خلال زيارته لوطنه مصر وحاورته حول العديد لمن القضايا الراهنة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ما رؤيتكم لما يدور بصفة عامة على الأراضي الفلسطينية؟
– للأسف الشديد، إخواننا في فلسطين هم الذين يخوضون المعركة وحدهم ضد العدو الصهيوني، فأصبح الصراع فلسطينياً – صهيونياً بعدما كان عربياً – صهيونياً، فالعرب تركوا الفلسطينيين يواجهون وحدهم ترسانة العدو المدعومة من واشنطن.
ولذلك، فنحن نعطي إخواننا في فلسطين بعض العذر حينما يلجؤون إلى المفاوضات والمساومات، لكن كل شيء له حدود، فالإنسان يلجأ إلى هذا الطريق إذا وجد فيه أي جدوى، لكننا جربنا المفاوضات مع العدو، منذ سنين ولم تُجْدِ، ولم يتقدم الفلسطينيون إلى الأمام، بل إن الأمريكيين ذهبوا هذه الأيام إلى عرض ما يسمى بـ “خارطة الطريق”، التي تهدف من ورائها إلى تفكيك البنية التحتية لكل فصائل المقاومة الفلسطينية وانتزاع أسلحتها فلا تبقي لها أي قوة تذكر، فضلاً عن حرصها على إشعال فتيل الحرب بين السلطة وحركات المقاومة الفلسطينية، وذلك بالرغم من أن هذه الفصائل هي مصدر قوة للسلطة فيما تتفاوض عليه، فتضحيات حركات المقاومة الهائلة هي التي جعلت الأمريكيين والصهاينة يسارعون لإجراء هذه المفاوضات، ولذك على السلطة الفلسطينية أن تعي هذا الأمر، وتدرك ما أدركه إخواننا في “حماس”، و”الجهاد”.
فضلاً عن ذلك، فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن يضرب الفلسطيني أخاه أو أن يقاتله ويطلق الرصاص في صدره، فهذه أمور من المحرمات، ولذلك لا أحبذ بحال من الأحوال أن تسارع السلطة للاستجابة لما يطلبه الأمريكيون والصهاينة.
فضيلتكم انتقدتم موقف العرب والمسلمين من دعم القضية الفلسطينية، كيف ترون أشكال هذا الدعم على المستويين الشعبي والحكومي، خاصة في ظل الهجوم الأمريكي على العمل الإغاثي الذي كان منه تجميد أموال “حماس”؟
– الإسلام يفرض على الحكومات دعم إخواننا في فلسطين بالمال والسلاح والتأييد السياسي، لكن للأسف تعيش أمتنا حالة من الوهن والضعف، وهو الأمر الذي شجع هؤلاء على المضي في طريقهم، ولذلك فإن علينا أن نعول على دور الشعوب، حيث يمكنها أن تضغط على حكوماتها بالاحتجاج، فضلاً عن ذلك فعلى الشعوب أن تعمل على مساندة إخواننا في فلسطين بالمال، فمن جهَّز غازياً في سبيل الله فقد غزا، والقرآن الكريم يقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، كما علينا أيضاً أن نتحايل على المساعي الأمريكية لحجب الدعم المادي عن إخواننا بطرق مختلفة حتى يحقق هذا المال على الأقل إطعام الجائع وكَسي العاري، وعلاج المريض، وكفالة اليتيم، فهناك أمور كثيرة غير الجهاد يحتاجها الناس.
وفوق كل ذلك، تمتلك الشعوب سلاحاً مؤثراً؛ وهو سلاح المقاطعة الاقتصادية للبضائع الأمريكية والصهيونية والإنجليزية والأسترالية، وعلينا ألا نستهين بتأثيرها، فقد ثبتت فاعليتها اقتصادياً، وثبت أيضاً أثرها الإيجابي في تربية الأطفال على معاني الشعور بالقضية ومساندة إخواننا المسلمين، وأرى ثمرة ذلك في كثير من الأطفال الذين ينهون آباءهم عن شراء بعض البضائع، لأنها أمريكية أو إنجليزية.
وإلى جانب كل ما سبق، علينا أيضاً أن ندعو لهم، خاصة وقت السحر، فليس من الأخوة أو الإسلام أو حتى الإنسانية أن ينام الإنسان ملء جفنه ويأكل ملء بطنه، ويضحك ملء سنه وإخوانه لا يجدون قوت يومهم.
وماذا عن الرأي الشرعي في الحكومات العربية والإسلامية التي تمنع شعوبها من إغاثة الشعب الفلسطيني؟
– الحكومة التي تفعل ذلك ترتكب كبيرة من الكبائر وموبقة من الموبقات، فالمسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه، ومعنى لا يسلمه ألا يخذله أو يتخلى عنه ويتركه يواجه الشدائد والمصائب.
والحكومات إذا كانت عاجزة فلا ينبغي لها أن تمنع شعوبها، وإن منعت شعوبها فهي بذلك ترتكب إثماً فوق إثم سكوتها وقعودها، ومن ثم فهي بذلك ترتكب كبيرة قد تؤدي إلى الكفر والعياذ بالله.
من المعروف على مر التاريخ الإسلامي أن علماء الدين لهم دور بارز في حياة الأمة الإسلامية، إلا أننا نلاحظ في أيامنا هذه غياب دورهم بصورة كبيرة، فما الأسباب؟
– لأنه لا يوجد للعلماء رابطة أو مؤسسة تتحدث باسمهم فالعلماء متناثرون ولهم آراؤهم المتباينة، إضافة إلى أنهم في كثير من البلدان الإسلامية والعربية ليس لهم حق التعبير، فهم مقيدون، وفي كثير من البلدان من يخرج عن الخطوط المرسومة له يفصل من وظيفته أو ينقل إلى عمل آخر، فأصبحوا غير ممكنين من أن يقولوا كلمتهم، ولذلك أقول: شريطة أن تحاسب الإنسان على تقصيره أن توفر وتضمن له الحرية.
ورغم ذلك، لم يعد العلماء فقط هم الفئة الوحيدة التي تحرك الناس، فهناك مسؤولية المثقفين والكتَّاب والصحفيين والأدباء والإعلاميين في الفضائيات والصحف.
نتابع المحاولات والضغوط الأمريكية على ساحتنا الإسلامية لتغيير مناهجنا التعليمية، كيف ترون أثر ذلك على الأمة الإسلامية؟
– لا يجوز أن نغير مناهجنا وفقاً للرغبات الأمريكية، ذلك لأن إستراتيجيتهم تهدف أساساً من وراء تغيير مناهجنا إلى تخريج المسلم المستسلم الخانع لهم، ولا يريدون المسلم المجاهد الذي يغار على دينه وحرماته، ويذود عن أمته، ولا يخشى في الله لومة لائم.
وللأسف، بعض البلدان العربية تتبنى هذه السياسة التي عرفت بسياسة تجفيف المنابع؛ أي تجفيف الدين الإيجابي في التعليم والثقافة والإعلام، فهم يريدون تعميم هذا النموذج، إضافة إلى ذلك علينا نحن أن نغير مناهجنا بأنفسنا، فمناهجنا بحاجة إلى تقويم لإصلاح العقلية المسلمة في كثير من الأفكار المريضة التي تجلب الشر الكثير على المسلمين، ومن ثم علينا مواجهة الغلو والتطرف من ناحية والتسيب والانفلات من ناحية أخرى، فنحن نريد الفكر الوسطي، فلا نجاة للأمة إلا بتبني هذا الفكر؛ (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ {8} وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) (الرحمن)، أي التيسير في الفتوى، والتبشير في الدعوة والتجديد في الدين، والاجتهاد في الفكر والإيجابية في الحياة.
____________________________________
العدد (1568)، ص26–27 – 17 رجب 1424ه – 13/9/2003م.