تحت الراية
فارس هذه الحلقة مقاتل قديم، جمع إلى قوة البيان نصاعة الفكرة وصلابة العقيدة، واتسعت الساحة أمامه فكان له جولات في عالم النثر أيضاً.
ولد شاعرنا في قرية من محافظة الغربية بمصر عام 1926م، ودرس فيها وحفظ القرآن وهو في العاشرة، ودرس في معهد طنطا الديني، وتابع دراسته في القاهرة في كلية أصول الدين، وحضر رسالته للدكتوراة عن “الزكاة في الإسلام”، وحصل على شهادتها عام 1973م بعد معوقات قاسية بسبب تردي الأوضاع السياسية بمصر، ومنذ عام 1961م عمل في قطر مديراً لمعهدها الديني الناشئ إلى عام 1973م، ثم انتقل إلى قسم الدراسات الإسلامية في الجامعة ليعمل رئيساً له وأستاذاً به إلى الآن.
للقرضاوي شعر كثير، ولكن أغلبه ضاع خلال المحن التي تعرض لها الإسلاميون في مصر، وما أكثرها! ومع ذلك بقي لشاعرنا شعر كثير لم يجمعه ديوان ولكنه منثور في حنايا المجلات الإسلامية.
ويمتاز الشاعر بنفسه الملحمي الطويل؛ مما يدل على شاعرية فياضة وطبع سخي، وقد طرق في الشعر أبواباً عدة، منها: التأمل والوطنية والحماسة والملحمة والنشيد والمسرح والقصة، ويمتاز شعره بالسلاسة والتدفق وصدق الإحساس والتصوير وروح العالم.
نموذج من شعره:
نختار للشاعر بعض الأبيات من ملحمته التي اشتهر بها، وهي الملحمة النونية التي نظمها في السجن الحربي أثناء محنة عام 1954م، وقد جاءت في 294 بيتاً، سجل الشاعر فيها أحداث هذا السجن الرهيب، وقيمتها في أنها –بالإضافة إلى تصوير المأساة المتكررة في كل يوم– تؤكد ثبات المؤمن المجاهد في وجه الأعاصير، وأنها وثيقة أمل حية في طريق المجاهدين الصابرين.
يا أيها المغرور في سلطانه أمن النضار خلقت أم من طين؟
يا من أسأت لكل من قد أحسنوا لك دائنين فكنت شر مدين
يا ذئب غدرٍ نصبوه راعياً والذئب لم يك ساعة بأمين
يا من زرعت الشر لن تجني سوى شرٍ وحقدٍ في الصدور دفين
سيزول حكمك يا ظلوم كما انقضت دول أولات عساكر وحصون
ستهب عاصفةٌ تدك بناءه دكاً وركن الظلم غير ركين
ماذا كسبت وقد بذلت من القوى والمال بالآلاف والمليون؟
أرهقت أعصاب البلاد ومالها ورجالها في الهدم لا التكوين
وأدرت معركة تأجج نارها مع غير جون بولٍ ولا كوهين
هل عدت إلا بالهزيمة مرّةٍ وربحت غير خسارة المغبون؟
وحفرت في كل القلوب مغاوراً تهوي بها سفلاً إلى سجّين
وبنيت من أشلائنا وعظامنا جسراً به نرقى لعليين
وصنعت باليد نعش عهدك طائعاً ودققت إسفيناً إلى إسفين
وظننت دعوتنا تموت بضربةٍ خابت ظنونك فهي شر ظنون
بليت سياطك والعزائم لم تزل منّا كحدّ الصارم المسنون
إنا لعمري إن صمتنا برهةً فالنار في البركان ذات كمون
تالله ما الطغيان يهزم دعوةً يوماً وفي التاريخ برُّ يميني
ضع في يديّ القيد ألهب أضلعي بالسوط ضع عنقي على السكّين
لن تستطيع حصار فكري ساعةً أو نزع إيماني ونور يقيني
فالنور في قلبي وقلبي في يديْ ربّي.. وربّي ناصري ومعيني
سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي وأموت مبتسماً ليحيا ديني
____________________________________
العدد (583) – 28 شوال 1402هـ/ 17 أغسطس 1982م – ص42.