أعلى الإسلام من قيمة الشباب، وجعل لهم القيادة والزعامة، وذكرهم القرآن في مواضع شتى تكريماً وتعظيماً لهم.
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظله «شاب نشأ في طاعة الله».
ومما يذكر عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قال: «ما بعث الله نبياً إلا شاباً، ولا أوتي العلم عالم إلا شاباً»، ثم تلا هذه الآية: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) (الأنبياء: 60).
يقول المفكر الإسلامي د. راغب السرجاني: إن أهمية مرحلة الشباب تكمن في السؤال عنها مرتين يوم القيامة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم».
على أكتاف الشباب قامت دعوة الإسلام
من المعروف أن أكثر حملة الإسلام الأوائل في بداية الدعوة كانوا من الشباب؛ فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه دخل الإسلام وهو في السابعة والثلاثين من عمره، وعمر بن الخطاب لم يتجاوز عمره السابعة والعشرين عند اعتناقه للإسلام، وكذلك عثمان بن عفان لم يتجاوز عمره الرابعة والثلاثين، أما عليّ بن أبي طالب فلم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره عند دخوله في الإسلام.
وأسلم الزبير بن العوام وعمره ستة عشر عامًا، وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «لكل نبي حواري، وحواريّ الزبير» (رواه الشيخان).
وأسلم سعد بن أبي وقاص وهو في السابعة عشرة من عمره، وكان أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان مستجاب الدعوة، فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم استجب لسعد إذا دعاك» (رواه الترمذي والحاكم).
وكذا أسلمت أسماء بنت أبي بكر وهي في الرابعة عشرة من عمرها، كما أن الأرقم أسلم وعمره أحد عشر عامًا، رضي الله عنهم جميعاً، فهم من قامت على أكتافهم الدعوة الإسلامية.
تمكين رسول الله للشباب وتصدرهم للقيادة
حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تمكين الشباب في كافة مراحل الدعوة الإسلامية، والسيرة النبوية زاخرة بالمواقف التي تكشف ثقته فيهم وإيمانه بقدراتهم، ومن أهمها تولية أسامة بن زيد قيادة جيش المسلمين المتوجه لغزو الروم رغم وجود كبار الصحابة بالجيش، وكان عمره آنذاك ثمانية عشر عاماً، ويعد أصغر قائد عسكري تولى قيادة الجيش على مدار التاريخ الإسلامي.
واختار النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ليكون أول سفير في الإسلام، حيث كلفه بالسفر إلى يثرب ليعلم المسلمين الجدد القرآن الكريم، ويصلي بهم، ويدعو للإسلام من لم يدخل فيه، ويعد أول من هاجر إلى يثرب من المسلمين.
كذلك عندما اضطر رسول الله إلى الخروج من مكة لقيادة جيش المسلمين، اختار من بين جموع المسلمين شاباً لم تتجاوز سنه الحادية والعشرين، وهو عتاب بن أسيد ليكون قائداّ لمكة المكرمة في غيابه، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي إماماّ بالمسلمين حيث يعد أول أمير صلى بمكة بعد الفتح جماعة.
وقد خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب بشكل مباشر، فقال: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».
وبهذه النماذج السالف ذكرها نرى أن الإسلام رفع من شأن الشباب وأولاهم اهتماماً خاصاً وجعلهم دائماً في الصدارة.
لماذا الشباب؟!
من المؤكد أن مرحلة الشباب هي الأهم في حياة الإنسان؛ لأنه يبلغ فيها ذروة قوته وعطائه، ويصبح أكثر حماسة وقدرة على التغير والتطوير من ذاته ومن مجتمعه أيضاً.
وهي مرحلة النضج الفكري، وهذا عكس ما يعتقده البعض بأنها مرحلة التهور والميوعة، فقد بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو في سن الأربعين، وكذلك جميع الرسل ابتعثهم الله في مرحلة الشباب، لأنها مرحلة النضج الفكري الأمثل في حياة الإنسان.
يقول الله تبارك وتعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ) (الأحقاف: 15).
ومن أجمل ما يميز مرحلة الشباب أنها مرحلة غير التقليدي وغير المألوف، فالشباب هم أصحاب الفكر المتجدد والرؤى المتطورة، وهم الأجدر على القيادة، فالفكر المتجدد لديهم لا يقف عند ذواتهم فحسب، بل يتجاوزهم لينمي الإثراء الفكري للوطن ككل.
لذا، فقد اهتمت كل الأديان والشرائع السماوية وفي مقدمتهم الإسلام بشأن الشباب وأولتهم أهمية خاصة، كما اهتمت المجتمعات المتقدمة بالشباب ليقينهم أن قوة الشباب وتمكينهم هما السبيل لتحقيق النهضة والتقدم للوطن ككل.
شبابنا العربي.. إلى أين؟
تحت عنوان «الشباب وآفاق التنمية في واقع متغير»، جاء في مقدمة التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: «إن الاستمرار في تجاهل أصوات الشباب وإمكاناتهم والاكتفاء بمبادرات صورية أو مجتزأة لا تغير واقعهم، بل يذكي اغترابهم عن مجتمعاتهم أكثر من أي وقت مضى».
وأضاف أن «هذا المنهج يدفعهم إلى التحول من قوة بناء في خدمة التنمية إلى قوة هدامة تسهم في إطالة حالة عدم الاستقرار، وتهدد أمن الإنسان بمختلف أبعاده، بشكل خطير قد يجهض عملية التنمية برمتها».
ووفقاً للتقرير، فإن ما يقارب من ثلث سكان المنطقة العربية تتراوح أعمارهم من 15 إلى 29 عاماً (أكثر من 105 ملايين شخص)، في حين يشكل الأطفال دون 15 عاماً ثلثاً آخر، أي أن الشباب والجيل الصاعد يشكلون قرابة ثلثي سكان المنطقة العربية.
المستقبل للشباب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالشباب»، وهذا الحديث يوضح أهمية دور الشباب في بناء المجتمعات، حيث إن المجتمعات الشابة هي الأقوى والأجدر على تحقيق التنمية والنهضة.
لذا، وجب أن تكون هناك خطط لتمكين الشباب في وطننا العربي وتأهيلهم للقيادة واستغلال الطاقات الهائلة الكامنة بداخلهم لتحريك قطار النهضة في بلداننا العربية، ولنستلهم من السيرة النبوية قبسات من تمكين الشباب والاستفادة من طاقتهم الهائلة والاستنارة بآرائهم المتجددة.