لـمَّا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من دفن أصحابه رضي الله عنهم، ركب فرسه، وخرج المسلمون حوله راجعين إلى المدينة، فلقيته حمنة بنت جحش، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حمنة، احتسبي»، قالت: مَنْ يا رسول الله؟! قال: «أخاك عبدالله بن جحش»؛ فاسترجعت، واستغفرت له.
ثمّ قال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «احتسبي»، فقالت: مَن يا رسول الله؟! قال: «خالك حمزة بن عبد المطَّلب»، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، غفر الله له، هنيئاً له الشهادة.
ثمَّ قال لها: «احتسبي»، قالت: مَن يا رسول الله؟ قال: «زوجك مصعب بـن عُمير»، قالت: واحزنـاه! وصاحت، وولولت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ زوج المرأة منها لبمكان»؛ لما رأى من تَثبّتها عند أخيها، وخالها، وصياحها على زوجها. (ابن ماجه (1590)، والطبري في تاريخه (2/532)، والبيهقي في الدلائل (3/301)، وابن هشام (3/104)).
ثمّ قال لها: «ولم قلت هذا؟»، قالت: يا رسول الله، ذكرت يُتم بنيه، فراعني، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولولدها أن يحسن الله تعالى عليهم من الخَلَف، فتزوَّجت طلحة بن عبيد الله، فولدت منه محمّداً، وعمران، وكان محمّد بن طلحة أوصل النَّاس لولدها.
وهنا ضربت حمنة بنت جحش درساً للرجال قبل النساء، في الصبر والتضحية، ابتغاء وجه الله.