أردت استباق حلول ذكرى الهجرة النبوية الشريفة بتلك السطور، آملة باحتفاء خاص، وإحياء تاريخي يليق بسيرة خير الخلق، وخاتم الرسل والنبيين، محمد صلى الله عليه وسلم.
إن حادثة الهجرة العظيمة، التي لها مكانة خاصة في قلوب المسلمين؛ لما لها من عظيم الأثر في بناء دولة الإسلام، تفرض علينا تحدياً في كيفية إبراز أحداثها، وتصوير مراحلها، أمام الأجيال الجديدة.
ليس من المقبول أو المستساغ، الاحتفاء بهذا الحدث التاريخي عبر مشاهدة فيلم سينمائي شابه النقص والتشويه، أو سماع أنشودة عن الهجرة، أو تصفح كتاب، أو استعراض روتيني لتفاصيل الحدث الذي غيَّر مسار الرسالة النبوية، من الضعف إلى النصر والتمكين.
تبدو الحاجة ملحة في زمن تنامي التكنولوجيا ووسائل التواصل والعالم الافتراضي إلى تطوير آليات جديدة لإبراز الهجرة النبوية، وإيجاد مساحات جديدة من التناول لها، والوصول إلى قطاعات مختلفة من الناس والجنسيات؛ للتعريف بهجرة نبي الرحمة والهدى، وسيرته العطرة.
هناك بالفعل برامج حاسوبية موسوعية ضخمة، تقدم السيرة النبوية بشكل متميز، إضافة إلى إنتاج سينمائي وفني عالج حادثة الهجرة، لكن الأمة في حاجة إلى المزيد، مع تضخم ثورة الاتصالات بشكل يفرض استحداث وسائل عصرية لتسليط الضوء على هجرة خاتم المرسلين، وأحاديثه، وأخلاقه، وغزواته، وسُنته الشريفة.
إن على المهتمين بذلك توظيف الألعاب الإلكترونية في تصوير وقائع الهجرة والسيرة، واستحداث ألعاب جديدة عن التخفي في دروب الجبال والكهوف، كما حدث مع النبي وصاحبه أبي بكر الصديق، وعن كيفية تأمين السفر والهجرة من مكان إلى آخر، على غرار لعبة «انتقام السلاطين»؛ وهي لعبة إستراتيجية تحتاج إلى وضع خطط وتركيز من أجل الحفاظ على القلعة من الأعداء.
ويمكن استحداث تطبيقات خاصة على الأجهزة الذكية؛ لإحياء السُّنة بين الناس، وربط الصغار بحادثة الهجرة وغيرها من أحداث السيرة النبوية، كذلك عمل برامج تصوير تحاكي أزياء تلك المرحلة، وبرامج هندسية تحاكي رسوم مسارات الهجرة، وتستعرض تكتيكات غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم.
هنا يجب الاستعانة أيضاً بتكنولوجيات الواقع الافتراضي، والواقع المعزز، والتقنيات ثلاثية الأبعاد، و«الهولوجوم»، بما يعزز التفاعل مع السيرة النبوية، والهجرة الشريفة، بشكل عصري يضع الأجيال الجديدة في بانوراما أشبه بالحقيقة لمشاهدة الحدث عن قرب، ومعايشته بشكل أدق.
وعلى أهل الكاميرا أن تتجه عدساتهم إلى غار حراء، وغار ثور، وموطن بدر، وجبل أحد، وساحة خيبر، وحنين؛ لنقل زوايا جديدة عن محطات مفصلية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، مع صناعة أفلام وثائقية عن الهجرة، وأبطالها، وأدوار كل منهم، وعن مسجده، وغزواته، ومعاهداته، وزوجاته، ووفاته.
ومن الحكمة صناعة المزيد من الأعمال الفنية والسينمائية باللغات الأجنبية عن مولده وهجرته، وغزواته، وغير ذلك من أحداث السيرة النبوية، وعمل متاحف تاريخية توثق مسار وتفاصيل رحلة الهجرة، وتنظيم رحلات سياحية إلى غاري حراء وثور، ومواطن بدر وأُحد والخندق وخيبر ومؤتة وحنين وتبوك.
ومن الممكن توظيف الشاشات المتحركة في المواقع الحيوية، وشاشات الإعلانات في أماكن الانتظار، والمكتبات المتنقلة؛ للاحتفاء بالهجرة، ونشر السنن والأخلاق النبوية، وصياغة حملات عالمية على غرار حملة «إلا رسول الله» التي جاءت قبل سنوات رداً على الإساءات الفرنسية والغربية للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا السياق، لا يمكن غض الطرف عن متحف السيرة النبوية والحضارة الإسلامية بالمدينة المنورة، الذي يستعين بأحدث التقنيات الموجودة لتقريب الزائرين من الزمن الذي عاش فيه النبي الكريم، عن طريق معروضات قريبة من الواقع، وأخرى صممت بالاستعانة بأحدث التقنيات المبتكرة.
نحن في حاجة إلى تعميم التجربة في بلادنا العربية والإسلامية، وصناعة مشروع ثقافي حضاري يطوف قارات الأرض، ويغزو العالم بكل اللغات، وبكل وسائل التقنية الحديثة؛ للتعريف بسيرة من أرسله الله رحمة للعالمين.
مشروع يقرب الناس من شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، شكله، أخلاقه، أحاديثه، بيته، حجرته الشريفة، الأماكن التي كان يتعبد فيها، منبره، زوجاته، أصحابه، غزواته، وفاته، كل تفاصيل تقرب البشر أجمعين من العهد النبوي.
إن من واجب الوقت تجديد الدعوة إلى الإسلام، وصناعة موجة جديدة من تبليغ رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، تلائم القرن الحادي والعشرين، وتناسب الثورة الحاصلة في مجال التكنولوجيا ووسائل الاتصال والتواصل.
وأظن أن الهجرة النبوية الشريفة قد تكون بداية ونقطة انطلاق نوعية لغزو وسائل التواصل بكل ما هو نبيل وقيّم، بكل ما يمت لنبي الرحمة بصلة، بكل ما يدفع عن الرسول الكريم كل شبهة وافتراء، بكل ما يحيي سُنته، ويبعث من جديد رسالته إلى آفاق الكون، ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور.