كثف الاحتلال الصهيوني من عمليات التهويد للمسجد الأقصى المبارك، التي وصلت لمراحل خطيرة باتت تهدد وجوده، وترافقت عمليات التهويد مع سن قوانين عنصرية، تسرع من وتيرة تزوير ملامح المسجد الإسلامية والحضارية، وحتى التدخل المباشر في إدارته، وسط تخوفات فلسطينية على كينونة وقدسية هذا المكان، الذي يشكل جزءاً من عقيدة الأمة الإسلامية.
وعن الأخطار المحدقة بـ«الأقصى»، والمخططات الصهيونية للنيل منه، والصمود والدفاع الفلسطيني عنه، كان لـ«المجتمع» هذا الحوار مع رئيس مركز القدس الدولي د. حسن خاطر.
حدثنا عن التهويد وخطورته على المسجد الأقصى المبارك.
– التهويد في «الأقصى» لم يتوقف منذ عشرات السنين، ولكن في ظل هذه الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة تضاعف بشكل كبير، ويتمثل في استمرار عمليات الحفر وتوسعة الأنفاق الموجودة تحت المسجد، وإقامة الحدائق التوراتية في محيطه بالجهة الشرقية في منطقة مقبرة باب الرحمة والمقبرة اليوسفية، وفي الجهة الجنوبية بمنطقة القصور الأموية، التي قام الاحتلال بتحويلها إلى ما يسمى «مطاهر الهيكل»، وفي منطقة ساحة البراق التي يتم توسعتها، وبناء مرافق عديدة فيها، أهمها كنس جديدة.
الحفريات تحت «الأقصى» وصلت لمراحل خطيرة تسببت بانهيارات وتصدعات في جدرانه
إضافة إلى الاقتحامات الكبيرة والخطيرة المستمرة في المسجد، ومحاولة تقسيمه، الذي يمثل آخر صرعات التهويد، حيث قام أعضاء في «الكنيست» بتقديم مشروع تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، حيث يسيطر الصهاينة على نسبة 70%، ويُبقون للمسلمين 30% ممثلة في الحزام الجنوبي الذي يقع فيه المصلى القبلي.
أما باقي ما تبقى بما فيه قبة الصخرة وصولاً إلى باب الأسباط وباب الغوانمة، هذا كله للصهاينة، حسب مزاعمهم، وقد تمت المصادقة على هذا المشروع بالقراءة الأولى.
وأنا أعتقد أنه ستتم المصادقة عليه بالقراءة الثانية؛ لأن أعضاء «الكنيست» والأغلبية اليمينية المتطرفة جاهزة للمصادقة على هذا المشروع.
الحفريات وصلت لأساسات «الأقصى»، هل يوجد تخوف عليه من الانهيار، في ظل الحديث عن حقن أساساته بمواد كيميائية؟
– بالنسبة للحفريات تحت أساسات «الأقصى» فهي مستمرة ومتواصلة، وهناك توسعة للأنفاق، وعمل لا يتوقف فيها، وظهرت آثار هذه الأعمال على السطح، حيث هناك العديد من التصدعات في الطوابق السفلية بالمصلى القبلي، فيما يعرف بـ«الأقصى القديم»، وقد تم تدعيم تلك الطوابق بجسور إسمنتية مسلحة، إلا أن هذه التصدعات لم تتوقف، وظهرت حتى في ساحات المسجد الأقصى، حيث حدثت انهيارات بالقرب من باب السلسلة وسقوط للعديد من الحجارة في أسوار المسجد، بالذات في الجهة الغربية المطلة على ساحة البراق، إضافة إلى تصدعات امتدت إلى البيوت المحاذية للجدار الغربي، خلف منطقة باب السلسلة باتجاه الشمال، وهذا الموضوع يزداد خطورة يوماً بعد يوم.
الاحتلال شرع في تنفيذ خطة لسحب صلاحيات إدارة «الأقصى» من الأوقاف الإسلامية
هناك محاولات من الصهاينة للتدخل في شؤون إدارة «الأقصى»، هل نحن أمام مشهد يتم فيه تقسيمه زمانياً ومكانياً؟
– التدخل في شؤون المسجد وإغلاق لجنة إعمار المسجد الأقصى، هذه القضية تعتبر محاولة خطيرة ومتقدمة من قبل الاحتلال لسحب الصلاحيات من الأوقاف الإسلامية، وإخضاع المسجد الأقصى للإدارة المباشرة من قبل الاحتلال، خصوصاً وزارة الأديان الصهيونية، وهذا الموضوع كان قد طالب به العديد من الشخصيات السياسية الصهيونية في السنوات الماضية، ولكن يبدو أنه في ظل هذه الحكومة المتطرفة، شرعوا بالفعل بسحب هذه الصلاحيات من الأوقاف، واعتقال العديد من الموظفين، وحراس المسجد الأقصى، وإبعادهم بشكل مستمر، وفرض غرامات مالية باهظة على العديد منهم، ومنعهم من ممارسة صلاحياتهم داخل المسجد، ومنع الأوقاف من إعمار أي جزء أو استبدال حتى اللمبات الخاصة بالإضاءة، أو أمور أخرى بسيطة لم يعد الاحتلال يسمح بتغييرها واستبدالها، أو إصلاح أي خلل إلا بموافقة مسبقة من شرطة الاحتلال، في محاولة للهيمنة الكاملة على المسجد الأقصى، وسحب الصلاحيات الكاملة من الأوقاف الإسلامية.
هناك استهداف واضح لمصلى باب الرحمة، هل يخطط الاحتلال لشيء ما في هذه المنطقة؟
– هناك أطماع واضحة وصريحة من الاحتلال في هذا المكان الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، الاحتلال يريد السيطرة على باب الرحمة، وللأسف الشديد قام بعدة خطوات في هذا الاتجاه، حيث إن الاقتحامات اليومية التي تتم، كلها تنتهي عند مصلى باب الرحمة، ويقف المستوطنون هناك ويمارسون طقوسهم، وهذا الموضوع يتم منذ عام 2003م، والاحتلال ومستوطنوه يدخلون ويسيرون في مسارات خاصة، وصولاً إلى مصلى باب الرحمة، وهذا يعني محاولة لتطبيع علاقتهم بهذا المكان، وكأنها أمر عادي وطبيعي.
مصلى باب الرحمة في دائرة الاستهداف لإحكام الحصار على «الأقصى» من الجهة الجنوبية
إضافة إلى أن الاحتلال لديه أطماع خلف باب الرحمة خارج الأسوار في منطقة مقبرة باب الرحمة، التي يحاول أن يقيم فيها حدائق توراتية منذ زمن، والسيطرة عليها، وعلى المقبرة اليوسفية، إلى الجهة الشمالية منها، وهذا الموضوع يشكل خطورة كبيرة؛ لأن الاحتلال يبحث عن موضع قدم داخل المسجد الأقصى منذ زمن؛ والجزء الذي يقع فيه مصلى باب الرحمة ضمن الحصة التي يحاول الاحتلال أن يسيطر عليها داخل المسجد الأقصى، التي ستؤدي في حال محاولة تنفيذ مثل هذه الأطماع إلى انفجار الأوضاع بشكل كبير، ليس فقط في داخل المدينة المقدسة أو في داخل فلسطين؛ وإنما في العالم العربي والإسلامي؛ لأن المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى، ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن لأي مسلم أن يتهاون في التفريط به بأي صورة من الصور.
هل تخشون أن يتكرر مشهد الحرم الإبراهيمي بالخليل في «الأقصى»؟
– يحاول الاحتلال جاهداً تطبيق تجربته في تهويد المسجد الإبراهيمي بالخليل، وتطبيقها في المسجد الأقصى المبارك، حتى إن مشروع قانون تقسيم «الأقصى» الذي طرح أخيراً في «الكنيست»، وبنسبة مماثلة إلى حد كبير لتقسيم المسجد الإبراهيمي، لكن الفرق هو أن تجربة الاحتلال في «الأقصى» أكثر صعوبة وتعقيداً مما كانت عليه الحال بالمسجد الإبراهيمي؛ لهذا السبب المشكلة في «الأقصى» بالنسبة للاحتلال ليست في اتخاذ القرارات، وإنما في تنفيذ هذه القرارات، ومدى قدرتها على وضع هذه القرارات موضع التنفيذ، وتطبيقها داخل «الأقصى»، وهذا ما لم ينجح فيه الاحتلال إلى اليوم، فقد حاول تنفيذ قرار بوضع البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد عام 2017م، وفشل فشلاً ذريعاً، وتم نزعها وتراجع عنها، ثم حاول بعد ذلك أيضاً السيطرة على مصلى باب الرحمة، ولكن قام المصلون بتحطيم الأقفال وتحرير مصلى باب الرحمة من هذه الخطة.
عمليات الإبعاد بحق القيادات الإسلامية في القدس وسدنة «الأقصى»، هل له دلالات معينة؟
– بخصوص إبعاد الرموز الدينية عن المسجد الأقصى المبارك، فهذا الموضوع ليس جديداً، بل منذ احتلال المدينة عام 1967م، حيث قام بإبعاد العديد من الشخصيات، وبالتالي هذه السياسة بقيت مستمرة، ولكنها في السنوات الأخيرة بدأت تتصاعد، وبدأ استهداف العلماء والخطباء، وحراس المسجد، وبعض الموظفين وحتى المصلين العاديين، الذين يتم إبعادهم لمدة 6 أشهر أو أكثر، هذه السياسات عقابية معروفة، ربما تكون غير موجودة في العالم بهذه الصورة، وبهذه الطريقة العنصرية التي تتدخل في علاقة المسلمين بمسجدهم، الذي هو مقدس إسلامي ولا علاقة لليهود به.