هذه القصة روتها كتب السير وقصص الصحابة الكرام، وفيها أن سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يأخذ من بيت المال، وهو خليفة المسلمين، ما يكفي لقوته وقوت أسرته الصغيرة.
وكان تاجراً قبل أن يتولى الخلافة، وشغلته الخلافة عن التجارة، فاضطر إلى أن يأخذ من بيت المال ما يعوله وأهله، لأنه لا يجد وقتاً للتكسب والارتزاق.
وكانت الأسرة أحسن حالاً وأنعم بالاً حين كان الصديق يرتزق بالتجارة، وكان لأبي بكر أولاد صغار يعتمدون على ما يقيم صلبهم، ويسد رمقهم من طعام متشابه، لا يجدون ما يشبعون رغبتهم من حلوى وفاكهة كمن كان في سنهم من أبناء أسر المدينة الذين أغناهم الله ووسع لهم في الرزق، وكانت لآبائهم حدائق ومزارع.
شعرَتْ بذلك الأم الحنون وأرادت أن تُحلّي يوماً أفواه الأبناء الصغار وتتسلى بالحلوى، وهي بشر من البشر، فقالت لزوجها العظيم أن يسمح لها بذلك يوماً من الأيام، ويزيد في راتبها من بيت المال، فقال: إن بيت مال المسلمين –وفيهم فقراء وأهل خصاصة– لا يتسع لإشباع الرغبات، والتنوع في المطاعم والمشارب.
فقالت: لو استفضلت من نفقتنا عدة أيام وبقيت لنا بقية، هل هنالك مانع من أن نشتري بها حلوى؟
قال: لا بأس بذلك.
فاستفضلتْ زوج أبي بكر الصديق من نفقتها من عدة أيام ما يصلح لأن يشتري به حلوى، وقدمت الدريهمات إلى أبي بكر، وقالت: هاك دريهمات، تستطيع أن تشتري بها لنا حلوى.
ولم يكن من شأن الصديق إلا أنه رد الدريهمات إلى بيت المال، وقال لمن يلي أمره: قد تحقق لدينا أن أسرتنا تستطيع أن تعيش وتقوت أعضاءها بأقل مما تتقاضى من بيت المال من الدريهمات، فأسقط من نفقتنا كل يوم بقدر هذه الدريهمات، فإنها كانت زائدة على حاجتنا، وليس بيت مال المسلمين لتترفه به أسرة الخليفة وتتوسع به في المطاعم.
وهكذا كان، فنقص من راتب كل يوم بقدر هذه الدريهمات، وكان من حظ الأسرة السعيدة الصالحة، التي كان يحكم سيدها بلاداً واسعة، وتأتيه الغنائم والثروات من أطراف كثيرة، الغُرم بدل الغنم.
ورضيت السيدة زوج الصديق بما فعله زوجها العظيم ولم تعتبره غُرماً وخسارة.
وضرب سيدنا أبو بكر مثالاً لمن يلي أمر المسلمين في الزهد والقناعة.