إنها الذكرى الـ28 لأبشع مذبحة شهدتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، جرت وقائعها في مدينة سربرنيتسا المسلمة في الفترة من 11 – 22 يوليو 1995م، وراح ضحيتها دفعة واحدة 8372 من النساء والأطفال والرجال تتراوح أعمارهم ما بين 12 و77 عاماً، تحت ضربات صرب البوسنة (أرثوذكس) المجرمين، وعلى مرأى ومسمع من العالم، وبتواطؤ من الأمم المتحدة التي فتحت قواتها –يومها– الملاذات الآمنة لوحوش الصرب ليرتكبوا جريمتهم، يومها لاذ بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت (أرثوذكسي)، لاذ بالصمت مثلما فعلت أوروبا والغرب عموماً.
وترك الجميع مسلمي البوسنة يلملمون أشلاء ضحاياهم لدفنها مصحوبة بدموعهم التي روت مع الدماء الأرض حزناً على ذبح الإنسانية، وأسفاً على جبن العالم والمنظمات التي تصف نفسها بالعدالة، صحيح بعد أن نفذ الصرب جريمتهم صدرت بيانات إدانة، لكن ماذا تفيد الإدانات هؤلاء الأبرياء؟!
لقد أحيا شعب البوسنة الصابر المكافح هذه الذكرى بمراسم حزينة لدفن رفات ثلاثين من الضحايا تم اكتشافها حديثاً، وسيظل المتحف الذي تم افتتاحه عام 2005م شاهداً على مأساة البوسنة بأكملها، يروي قصص المجازر والاغتصاب التي وقعت هناك خلال الحرب الوحشية بين عامي 1992 و1995م، التي أدت إلى استشهاد أكثر من 300 ألف مسلم، وهو متحف يضم معروضات تتعلق بتلك الحرب تم جمعها من جميع أنحاء البوسنة.
لقد شعر الجميع بعد تفكك يوغوسلافيا وتحولها إلى عدة دول أن دولة مسلمة هي البوسنة والهرسك في طريقها للظهور في قلب أوروبا، وسيكون لها عَلَم ورئيس ودستور، فاشتعلت النار في قلوبهم، وعزموا بكل ما أوتوا من قوة ووحشية على وأدها قبل ظهورها، في حين تم دعم قيام دولة للصرب (أرثوذكس) وأخرى للكروات (كاثوليك)، أما دولة ذات أغلبية مسلمة فلا بد من وأدها، هكذا قرروا، لكن صمود وصبر مسلمي البوسنة بقيادة الراحل العظيم علي عزت بيجوفيتش أفشل ذلك المخطط، وبقيت البوسنة حتى اليوم تروي قصة صمود وكفاح ستظل محفورة في سجلات التاريخ بأحرف من نور لشعب مسلم قرر الحياة وسط أوروبا رغم عنصريتها.
كنت هناك، وشاهدت بعيني ضحايا سربرنيتسا وغيرها من المجازر التي اجتاحت البوسنة، حيث صبَّ الصرب وحشيتهم دون رحمة، وصب الغرب جبنه وصمته دون خجل.
ستظل سربرنيتسا عاراً دائماً في جبين أوروبا، مثلما ستظل البوسنة والهرسك بشعبها المسلم عاراً يكلل جبين العالم.
__________________________
مدير تحرير «الشعب» المصرية و«المجتمع» الكويتية– سابقاً.