أبو بكر عبدالله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله القرشي الأسدي الحميدي المكي، الإمام الحافظ الفقيه شيخ الحرم.
حدّث عن الإمام الشافعي، ووكيع، وفضيل بن عياض، وغيرهم خلق كثير، لكنه أكثر عن سفيان بن عُيَيْنة وهو راويته ورئيس أصحابه.
حدث عنه خلق كثير منهم البخاري، والذُّهلي، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيَّان، وغيرهم، وأول حديث افتتح به البخاري صحيحه من رواية شيخه الحميدي لجلالته وتقدمه عنده.
ومن مؤلفاته التي خلَّفها «المسند»، وهو مطبوع في مجلدين، وعقيدته مروية مسندة تلقاها العلماء بالقبول، ونثبتها هنا كاملة.
نص العقيدة
حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا الحميدي قال:
1- السُّنة عندنا: أن يؤمن الرجل بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن ذلك كله فضـل من الله عز وجل.
2- وأن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ولا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل وقول إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بسنة.
3- والترحم على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم؛ فإن الله عز وجل قال: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ (الحشر: 10)، فلم يؤمر إلا بالاستغفار لهم، فمن سبهم أو تنقصهم أو أحداً منهم فليس على السُّنة، وليس له في الفيء حق، أخبرنا بذلك غير واحد عن مالك بن أنس أنه قال: «قسم الله تعالى الفيء فقال: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ (الحشر: 8)، ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا﴾، فمن لم يقل هذا لهم، فليس ممن جعل له الفيء».
4 – والقرآن: كلام الله، سمعت سفيان يقول لي: «القرآن كلام الله، ومن قال: مخلوق فهو مبتدع، لم نسمع أحدًا يقول هذا».
وسمعت سفيان يقول: «الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص»، فقال له أخوه إبراهيم بن عيينة: «يا أبا محمد، لا تقول ينقص»، فغضب وقال: «اسكت يا صبي، بل حتى لا يبقى منه شيء».
5- والإقرار بالرؤية بعد الموت.
6- وما نطق به القرآن والحديث مثل: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ (المائدة: 64)، ومثل: ﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ (الزمر: 67)، وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه ولا نفسره، نقف على ما وقف عليه القرآن والسُّنة.
7- ونقول: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (طه: 5)، ومن زعم غير هذا فهو معطل جهمي.
8- وألا نقول كما قالت الخوارج: «من أصاب كبيرة فقد كفر»، ولا تكفير بشيء من الذنوب.
9- وإنما الكفر في ترك الخمس التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت »”، فأما ثلاثٌ منها فلا يناظر تاركه: من لم يتشهد، ولم يصل، ولم يصم؛ لأنه لا يؤخر شيء من هذا عن وقته، ولا يجزئ من قضاه بعد تفريطه فيه عامداً عن وقته، فأما الزكاة فمتى ما أداها أجزأت عنه، وكان آثماً في الحبس، وأما الحج فمن وجب عليه، ووجد السبيل إليه وجب عليه، ولا يجب عليه في عامه ذلك حتى لا يكون له منه بد، متى أداه كان مؤدياً ولم يكن آثماً في تأخيره إذا أداه؛ كما كان آثماً في الزكاة، لأن الزكاة حق لمسلمين مساكين حبسه عليهم حتى وصل إليهم، وأما الحج، فكان فيما بينه وبين ربه، إذا أداه فقد أدى، وإن هو مات وهو واجد مستطيع ولم يحج سأل الرجعة إلى الدنيا أن يحج، ويجب لأهله أن يحجوا عنه، ونرجو أن يكون ذلك مؤدياً عنه؛ كما لو كان عليه دين فقُضي عنه بعد موته.