حذر المشاركون في مؤتمر «الأسرة بين القيم الإسلامية والتحديات المعاصرة»، الذي تنظمه مؤسسة «إثمار للعلم والتنمية»، من أخطار هدم الأسرة محلياً وعالمياً، من خلال دعوات الاستقلالية الفردية، وتشجيع الشذوذ، بدعم من دول ومنظمات غربية.
ويهدف المؤتمر، الذي بدأ السبت 15 يوليو 2023م، ويستكمل أعماله أيام 16، 22، 23 الجاري، إلى توضيح المفاهيم والقيم الأساسية لبناء الأسرة في التصور الإسلامي، وتنمية الوعي بالتحديات والأخطار المحلية والعالمية التي تعمل على هدم البناء الأسري في التصور الإسلامي.
في أول أيام المؤتمر، أكد د. علي القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، ضمن كلمته التي كانت بعنوان «فقه الميزان للأسرة المسلمة»، أن الميزان في العلاقات الأسرية هو التوجيه الرباني من القرآن الكريم لمعاني المودة والرحمة بين الزوجين؛ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21).
وقال: إن الفطرة السليمة هي التي تستشعر معنى الزواج وما ينعم الله تعالى به على الزوجين من مودة ورحمة.
القيم الأساسية لبناء الأسرة
وتحدث الشيخ مجد مكي، من علماء سورية، عن «القيم الأساسية لبناء الأسرة؛ المودة، والرحمة، والسكن»، موضحاً معنى الآية الكريمة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، معرجاً على معنى قوله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) (البقرة: 187)، وأن الأزواج يتصفون فيما بينهم بمواصفات التماهي مع اللباس الذي يرسم للإنسان هيئته وزينته وستره، بل ويشكل له صورة عن هويته.
وأشار إلى بُعد جديد في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) (المدثر: 4)، بالإشارة إلى طهارة الأزواج ونقائهم كما الأمر بطهارة الثياب ونفض الأرجاس والأدناس.
كما تكلم عن أن الأصل في ميثاق الإسلام تأسيس المجتمع على الحب في الله تعالى بين الإخوان والأصحاب، فكيف بمن تحمل عن الإنسان همه ودعوته وأخص شؤونه وشؤون دعوته؛ زوجته وأم أبنائه والمؤتمنة على عرضه وماله وخاصة أسراره، أفلا يعقد أواصر الحب لها، ويهبها من صدق حنانه ومودته؟
مسؤوليات العلاقة الزوجية
وعن «مسؤوليات العلاقة الزوجية.. الحقوق والواجبات»، أكد أ.د. إسماعيل علي، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الشريعة كلها عدل، وقال: من العدل توضيح الحقوق والواجبات الزوجية لتعظيم الحياة الزوجية.
وأضاف أن الفطرة السليمة تستشعر معنى الزواج، وما ينعم الله تعالى به على الزوجين من مودة ورحمة، مؤكداً أهمية التشاور والتوافق بالمعروف لتستقيم الحياة الزوجية.
حقوق الأبناء على الآباء
وفي اليوم الثاني للمؤتمر، تحدثت د. سعدية عواد، المتخصصة التربوية والنفسية، عن «حقوق الأبناء على الآباء»، موضحة أن التربية الوالدية ليست تربية عشوائية، ولكنها تربية معرفية تدريبية، وأن تربية الأبناء تربية صحيحة تحصين لهم وحائط صد لكل فتن وتحديات العصر.
وقالت: إن الدائرة الأولى للطفل هي دائرة الوالدية، والسنوات الخمس الأولى التي هي الأساس لتربية الأبناء، فليس للأبناء بعد الله تعالى إلا الوالدان، وكلما كانت العلاقة بين الوالدين أوثق كانت علاقتهما بأبنائهما أنجح، وأنه كلما ربينا أبناءنا تربية صحيحة لا يهمنا تكالب الأعداء عليهم.
وأوضحت أن حقوق الأبناء على الآباء عديدة، منها: حق الأبناء في الرعاية وإشباع الحاجات الأولية من مأكل ومسكن ومشرب، واختيار الأم، واختيار الاسم المحبب، والتأديب وضبط سلوكياتهم وتوجيهها، وتوفير البيئة الآمنة، وفي تقدير واحترام الآباء لهم، وفي حياة مليئة بالسعادة والفرح، وأن يكون الآباء مربين لهم وليست الأم فقط هي التي تربي، وحقهم في تعريف الآباء لهم بالله عز وجل والآداب الإسلامية، وأخيراً في الفرح واللعب واستثمار الوقت.
وأكدت أن هناك متطلبات يجب توافرها في الأب لكي يستطيع القيام بهذه المسؤوليات وأداء ما عليه من واجبات، وهي أن يتحقق في الأب الصلاح، وأن يتحرى المال الحلال في الكسب، وأن يلجأ الوالدان إلى الدعاء فهو حبل النجاة، مشددة على أن على الآباء مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء، ومعرفة المرحلة العمرية للأبناء وخصائصها وخبراتهم بالحياة.
معوقات الزواج
وفي كلمته عن «معوقات الزواج»، أوضح د. محمد أيمن الجمال، رئيس رابطة العلماء السوريين، أن معوقات الزواج من وجهة نظر المنظمات النسوية وأعداء الإسلام هي العادات والتقاليد أو ما يسمونه «الموروثات»، وهم يقصدون ما تفرضه الشريعة على الأزواج (المهور، والولي)، مؤكداً أن المهور ليست معوقات للزواج، ولكنها حفظت منظومة الزواج؛ فغلاء المهور لم توجهنا إليه الشريعة الإسلامية، فالتوجيه النبوي: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه»، والولي هو الذي يعرف الزوج المتلاعب من الجاد، فالفتاة عاطفية ووليها أدرى بمصلحتها من نفسها.
وتابع: يقولون: من معوقات الزواج عدم وجود التوافق بين المرأة والرجل، ويصرحون بذلك في كتبهم ومقالاتهم، وهي دعوة صريحة لوجود علاقة غير شرعية قبل الزواج لتحقيق التوافق؛ وذلك بالخلوة وتجربة المعاشرة من أجل التوافق التام.
وأضاف: يقولون: من معوقات الزواج ضعف التعليم، متسائلاً: من قال: إن طلب العلم للبنت أو الولد معوق من معوقات الزواج؟!
وأكد أن الأنظمة والقوانين الموضوعة هي المعوق للزواج، حيث وضعوا قوانين لتأخير سن الزواج، ووضعوا قوانين أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.
البيت النبوي نموذجاً
وتحدثت د. منى صبحي، المتخصصة في التربية وشؤون الأسرة، عن «البيت النبوي نموذجاً؛ للزوجية، وللوالدية، وللمجتمع»، فأكدت ضرورة التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم بناء على التوجيه الرباني في قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب: 21).
وقالت: إن الرسل والأنبياء قدوة، نقتدي بهم في ثباتهم وصبرهم، نقتدي بهم طاعة لله تعالى، قال عز وجل: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور: 63)، موضحة أن كل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة ومليئة بالعظات والعبر في الأخلاق والسلوك والمنهج أو الابتلاء.
وقالت: بالوقوف على أحوال وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لا بد أن نفرق بين أفعاله وأعماله ونقسمها إلى أقسام: أعمال مرتبطة بسلوكه كبشر (الأكل، الشرب، النوم..) إذا واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم أصبحت مستحبة؛ مثل الأكل باليمين، وأعمال وأفعال كانت تتم أيام النبي صلى الله عليه وسلم مثل تطويل الشعر واللباس لم يقصد بها تشريع ولا يقال: إنها سُنة، وأفعال خاصة بالرسول مثل الزواج بأكثر من 4 زوجات لا يقتدي بها، والفعل التعبدي الذي فعله تعبداً لله تعالى هو الذي يجب علينا أن نقتدي به أو يستحب كما بيّنه لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم، وإذا صرح بترك شيء وجب علينا تركه؛ مثل صلاة العيد بلا أذان ولا إقامة.
وأوضحت أن بيت النبوة تم بناؤه على أسس من تقوى الله تعالى، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة في بيته مع زوجاته، ومن أفعاله: الحرص على مجالسة الزوجات ومؤانستهن، وحق المعاشرة الزوجية، والوفاء للزوجة وحفظ حقها وسابق عهدها، وعدم الضرب والتحقير، والحرص على إدخال السرور، ومراعاة المشاعر وأوقات الغضب.
كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة في صلة الأرحام، وفي ذلك قالت أمنا خديجة: «فواللهِ إنَّك لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصدُقُ الحديثَ، وتَحمِلُ الكَلَّ، وتُكسِبُ المعدومَ، وتَقري الضَّيفَ، وتُعينُ على نَوائِبِ الحقِّ»، وكان قدوة في صبره على الدعوة، وفي علاقته بأقربائه وحرصه على إسلام عمه أبي طالب، وقدوة في بره بالأموات وزيارته لقبر أمه، وفي تفقده لأحوال أقاربه وإكرامهم، وفي تكفله بأولاد جعفر.
وكذلك كان صلى الله عليه وسلم قدوة في عدم المحاباة في أمور الدين، فأول ربا وضعه هو ربا عمه العباس.