فمن هم إذاً الذين يقفون في وجه هذا الحل، ويعترضون سبيله، فيتحدوا مشاعر الأمة، ويحرمونا من أعظم نعمة، وهي نعمة العيش في ظل عدالة الإسلام ورحمته؟
يجيبنا عن هذا السؤال فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه الذي حمل عنوان “أعداء الحل الإسلامي”، فيعرض لهم واحداً واحداً بأسمائهم وصفاتهم ومخططاتهم!
أولها: الاستعمار الذي يدفعه الخوف من الإسلام إلى معاداته، فالإسلام ليس مجرد دين كالذي يعرفون، فهو عقيدة وأخوة وحضارة وشريعة، وقد عبرت أدوات الاستعمار من منصرين ومستشرقين عن تخوفها من الإسلام.
يقول “لورنس بروان”: “الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي”.
وإلى جانب الخوف من الإسلام يأتي الحقد عليه، ومبعثه الهزائم الدينية والعسكرية التي مُني بها هؤلاء أمام زحفه المنتصر، وقد عبر المستشرق الألماني “بيكر” عن ذلك بقوله: “إن الإسلام حين انتشر في العصور الوسطي أقام سداً منيعاً في وجه انتشار النصرانية”.
ثم يأتي عامل الجهل بالإسلام ونبيه وكتابه وحضارته وأمته وتاريخه، وذلك من أثر الأفكار المشوهة التي روَّجها الدجالون، بدءاً من الحروب الصليبية ولم تنته بعد!
ثم الطمع في ثروات العالم الإسلامي وخيراته وبتروله، ولذلك فإن أي يقظة إسلامية تريد العودة بالمسلمين إلى دينهم يعدها المستعمرون خطراً على مطامعهم!
وخامس هذه العوامل: الكبر، فإن الأوروبيين يعدون أنفسهم سادة العالم وأرقى الأجناس، ويرون حضارتهم أرقى الحضارات، فعندما يأتي من يدعو إلى الإسلام عقيدة ونظاماً وحضارة يثير فيهم روح المقاومة لهذا الدين.
وقد تفنن هؤلاء في اختراع أساليب الكيد للإسلام، من تشكيك في عقيدته وشريعته وثقافته وحضارته، التي تحرف مشاعر المسلمين عن الولاء للإسلام إلى ولاءات أخرى، إلى نشر الإلحاد والنظريات المادية، ونشر الانحلال الخلقي وإيجاد زعامات تشوه حقيقة الإسلام، وإثارة النعرات المختلفة وتشويه سمعة الدعاة، وتضييق الخناق على كل حركة إسلامية صحيحة الاتجاه وتسليط الطغاة عليها.
ومع كل هذه الاحتياطات والإجراءات، فقد أفقدهم ظهور الصحوة الإسلامية توازنهم ورصدوا الملايين لتعويضها.
الصهيونية
والدائرة الثانية من أعداء الحل الإسلامية هي الصهيونية، فقد كان الإسلام ولا يزال هو العقبة أمام أطماعها، فتآمرت عليه في نشأته، وسعت إلى تقويض الخلافة، وسخرت كثيراً من النصارى، فجندت المسيحيين المتدينين لتبني قضية “إسرائيل” الذين عبروا عن تأييدها من خلال النبوءة التوراتية، وهي على الرغم مما حققته بمخططاتها وسيطرتها قلقة من الصحوة الإسلامية، تقول صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “إننا نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاماً، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد”.
وأما الدائرة الثالثة؛ فهي الشيوعية التي تخص الإسلام بمزيد من العداوة لاختلاف فلسفتها مع عقيدته وشريعته، وقد برز هذا العداء بشكل سافر عندما أصبح لها دول وحكومات قاومت المسلمين، وحاولت تصفيتهم عقدياً وحياتياً، وأما علاقتها باليهودية فهي لا تكاد تخفى على أحد.
ويأتي في الدائرة الرابعة المنافقون والمرتدون من أصحاب القرار والنفوذ الذين يتحاكمون إلى الطاغوت، ويصدون عن حكم الله ورسوله، ويقفون في وجه كل من يدعو إلى تحكيم شريعة الله، ويحافظون على ما ورثوا من الاستعمار من أوضاع شاذة، وينزلون بالدعاة إلى الإسلام العذاب والتنكيل، وقد حولوا الجمهوريات التي تسلطوا عليها إلى ملكيات ولكن بغير مزايا، كما مسخ تحت حكمهم الإنسان والقانون والفكر والمجتمع.
وفي الدائرة الخامسة يقف عبيد الفكر الغربي “الفكر النظري العلمي”، وهم عبيد اليمين واليسار، يزدرون فكر الإسلام ويعارضون عودته إلى قيادة المجتمع والسيادة على الحياة، وهؤلاء مبثوثون في كثير من الجامعات ووسائل الإعلام ودوائر الساسة، رباهم الاستعمار، وأوكل إليهم تنفيذ مخططاته بعد رحيله العسكري، وليسوا في الحقيقة سوى ببغاوات تردد ما استهلك في الغرب والشرق.
وأما المتربصون في الدائرة السادسة فهم المترفون والمتحللون وأصحاب الشهوات، يخشون من الإسلام؛ لأنه سيحرمهم من المتع الحرام والفواحش، فهم عبيد شهواتهم يفلسفون هذه العبودية بقوالب أيديولوجية، فهم في زعمهم “علميون – واقعيون”، يصدق فيهم قول د. عبدالحليم محمود، يرحمه الله: “ليس في ديارنا إلحاد عقل وفكر، ولكنه إلحاد بطن وفرج”.
وهؤلاء يتوزعون بين أصحاب المال والسلطان، وهم أهل احتكار واستغلال ورشوة، يكرهون الحل الإسلامي كراهة اللصوص للقانون العادل، يعللون عداوتهم للاتجاه الإسلامي بأن العصر عصر علم لا دين، وأن هناك أقليات غير مسلمة، إلى غير ذلك من الأباطيل، ولكن الحقيقة والواقع يشهدان أنهم غير صادقين!
_____________________
العدد (1743)، 27 صفر 1428هـ/ 17مارس 2007م، ص46-47.