يعرف العالم العربي بأنه عالم شاب، إذ تقل أعمار نصف سكانه عن 25 عاماً، وهذه ميزة لا يضاهيها ميزة؛ فالمجتمعات الشابة هي الأكثر حيوية وفاعلية وتمتلك مستقبلاً أفضل دائماً، خاصة إذا ما استمع إلى أولوياتهم ونوقشت أفكارهم وعمل الحكام على الاستفادة من طاقتهم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مدركاً أهمية الشباب في نشر دعوة الإسلام وبناء دولته القوية؛ فهم عماد الأمة ومبعث قوتها، وكان صلى الله عليه وسلم محاطاً بالشباب في بداية الدعوة؛ إذ كان أغلب مصدقيه منهم، بينما أغلب شيوخ قريش من محاربيه ومكذبيه، فأبو بكر الصديق رضي الله عنه أول من أسلم من الرجال وكان عمره 38 عاماً، أما عمرو بن الخطاب، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، ومصعب بن عمير، وغيرهم من أوائل المسلمين كانوا شباباً في العقد الثاني والثالث من حياتهم، فتحملوا شرف الدعوة ومشقة الدفاع عنها والذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا خير مجاهدين وفاتحين وناشرين لدعوة الإسلام.
أكثر من ثلث سكان العالم العربي من الشباب
ماذا نعني بالشباب؟
عرفت القواميس العربية الشباب بأنه أول كل شيء، وبكسر الشين عرفتها بأنه «ما يوقد به كالحطب ونحوه مما تنتشر فيه النار»، واصطلاحياً تعني أنه «من أدرك سن البلوغ ولم يصل إلى سن الرجولة»، أما الأمم المتحدة في عام 1985م فعرفت الشباب بأنهم «الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 24 عاماً»، وهو التعريف الذي اعتمدت عليه كل الدوائر الإحصائية في الأمم المتحدة في جميع الإحصاءات المتعلقة بالشباب.
لكن قبل هذا التعريف الأممي، كان التعريف العربي يشير إلى أن فئة الشباب هي تلك المجموعة من الأفراد التي تتراوح أعمارها ما بين 15 إلى 25 سنة، وهو التعريف الذي تم وضعه في المؤتمر الأول لوزراء الشباب العرب، المنعقد بجامعة الدول العربية في القاهرة عام 1969م.
ورغم ما يبدو عليه من انسجام بين التعريف الأممي والتعريف العربي، فإن الممارسة العملية لاستطلاعات رأي الشباب اختلفت فيها تعريفات الفئة العمرية للشباب، فبحسب كتاب «ماذا قالوا لنا؟ أولويات واهتمامات الشباب الخليجي في استطلاعات الرأي» (الصادر عن مركز الآراء الخليجية لاستطلاعات الرأي والإحصاء)، ففي الكويت تم الاعتماد على عمر من 12 إلى 34 عاماً في تنفيذ أول مسح وطني للشباب في تاريخ الكويت، وتوصل إلى أنهم يمثلون 72% من المجتمع الكويتي، وفي المملكة العربية السعودية أعد «مركز قراءات» دراسة حول الشاب في المملكة باعتبار أنهم الفئة العمرية من 15 إلى 29 عاماً، بينما نفذت «شبكة الجزيرة» (القطرية) استطلاعاً للشباب العربي وحددتهم من الفئة العمرية من 17 إلى 31 عاماً، وفي استطلاع الشباب الأردني حول المشاركة السياسية تم تحديد عمر الشباب ما بين 18 إلى 35 عاماً.
مجتمعات شابة ولكن..
بحسب مركز الشباب العربي، يبلغ عدد الشباب في عمر 15 إلى 34 عاماً في العالم العربي نحو 146757000 ما يمثلون 33.6% من سكان العالم العربي، وبحسب التقرير؛ يبلغ نسبة الشباب في الفئة العمرية من 15 إلى 19 عاماً 26%، وفي الفئة العمرية من 20 إلى 24 عاماً نسبة 25%، وفي الفئة العمرية 25 إلى 29 عاماً نسبة 25%، وفي الفئة العمرية من 30 إلى 34 عاماً نسبة 24%.
الأولويات يجب أن تكون مرهونة بالضوابط الشرعية
أما عن التوزيع بحسب الجنس فهناك 52.24% ذكوراً، و47.7% إناثاً، وتبلغ نسبة معرفة القراءة والكتابة بين الشباب في العالم العربي نحو 85.5%، وتبلغ نسبة العاطلين عن العمل بين الشباب العربي (15 – 24 عاماً) نحو 22.9%، وتبلغ نسبة الشباب الذين هم خارج مجالات التوظيف أو التعليم أو التدريب 34.3% (18% بين الذكور و51.9% بين الإناث)، بينما تنخفض هذه النسبة بين الشباب عالمياً إلى 22.5%.
ويرى أ.د. محمود مهنى، نائب رئيس جامعة الأزهر سابقاً، أن الشباب عماد أي أمة، والأمم الناجحة هي التي تستطيع استغلال طاقات الشباب، أما الأمم الفاشلة فهي تلك التي تهمل الشباب، موضحاً بأن هذا الإهمال له أشكال كثيرة؛ فقد قد يكون على شكل تعليم دون المستوى، أو عدم الاهتمام بهم صحياً، أو معرفياً، وعدم العمل على تجهيزهم لسوق العمل.
أولويات الشباب
بحسب خبراء تربية وعلماء اجتماع وطب نفسي، تختلف أولويات كل جيل عن الآخر نتيجة لظروف وأسباب كثيرة، لكن مع التقدم الهائل في وسائل الاتصال باتت الهجرة والثراء السريع، والرغبة في النجومية والشهرة، أهدافاً تفرض نفسها على أجندة الشباب، مقارنة بالغربة في الاستقرار والزواج وتحصيل العلم قبل عقود.
يؤكد د. جمال فرويز، أستاذ علم النفس، في حديث مع «المجتمع»، أن كل جيل له أولوياته ورغباته والصعاب التي يواجهها في حياته، وبالتالي أصحاب المشكلة هم من يحددون أولوياتهم في الحياة طبقاً للمطالب الوقتية، لافتاً إلى أن دور المجتمع المدني توعية الشباب عن طريق تعليمهم معنى الطموح والرغبة في الحياة؛ لأن عدم الطموح يؤدي إلى الفشل.
ويرى د. مهنى أن الشباب هم الأولى بتحديد أولوياتهم، لكن يجب أن يكون ذلك منضبطاً بالحدود الشرعية، وهذا لا يحدث إلا إذا عملنا من البداية على حسن تربية الشباب وبالتالي ليكون لدى الشاب هوية ينطلق من خلالها ليحدد أولوياته.
من الضروري التحرك لإنقاذهم من موجات الانحلال وقوارب الموت
ويقول د. طه أبو حسين، أستاذ علم الاجتماع والصحة النفسية بالجامعة الأمريكية، في حديث مع «المجتمع»: إن رصد أولويات الشباب متعلق بأمور متصلة بالتطورات الموجودة في التقنيات الحديثة، فالرصد سابقاً كان عن طريق ارتياد المكتبات والمقاهي وملاعب الكرة، أما الآن فمن خلال التطور التقني الموجود نجد الشباب منتشرين في مواقع التواصل الاجتماعي والتسويق، ويكون ذلك متصلاً عن طريق الذكاء الاصطناعي، وبالتالي بات من السهل معرفة توجهات الشباب.
ويضيف أن الشباب وقع قطعاً فريسة للدعاية الغربية، فالمجتمع الأوروبي والغربي لن يعطي شبابنا أي فرصة للنجاح إلا إذا كان سيستفيد هو منه، وفي هذه الحالة يتم ترغيب الشباب والاستحواذ عليهم، ودفعهم إلى عدم العودة إلى بلادهم.
ويتفق معه د. محمود مهنى الذي يرى أن مرحلة الشباب مثلما هي مرحلة مهمة في بناء الأمم يمكن أن تستخدم أيضاً لهدم الأمم، فعادة ما يعمل الأعداء على استهداف الشباب بتوجيه خطابات مخالفة لتعاليم ديننا أو تقاليدنا بدعوى أن هذا هو التحضر والتمدن، لكنها في جوهرها تكون دعوات خبيثة هدفها نشر الفساد والانحلال في المجتمع؛ وبالتالي يصبح مجتمعاً ضعيفاً سهل انهياره.
وينصح الخبراء بضرورة العمل بجد مع الشباب من خلال الجامعات والمساجد ووسائل الإعلام، والحرص على نشر التوعية بين الشباب وتثقيفهم حتى لا يكونوا صيداً سهلاً لكل صياد، وضرورة تحرك المجتمع لبحث أفضل الطرق للتعامل مع الشباب، وإنقاذهم من موجات الانحلال والضياع في قوارب الموت ورحلات الهجرة غير الشرعية وغيرها.