مر النبي صلى الله عليه وسلم على خيمة أم معبد، واسمها عاتكة بنت خالد الخزاعية، وهي على طريقهم، مختبئة بفناء خيمتها، تسقي المارة من الماء واللبن، عندها شاة، قال: «ما هذه؟»، قالت: شاة أضر الجهد بها وما بـها قُوى تشتد بها حتى تلحق الغنم ترعى معهم، قال: «هل بها من لبن؟»، قالت: هي أجهد من ذلك، فمسح النبي منها ظهرها وضرعها وسمى ودعا، فحلب ما قد كفاهم وُسعًا أي ما تحتمله طاقتهم من الري.
وحلب النبي بعد ذلك إناء آخر ثانيًا، وترك ذاك الإناء عندها مملوءاً، وسافر بعد أن بايعها على الإسلام واستمرت تلك البركة فيها.
ثم لما رحل النبي صلى الله عليه وسلم جاء زوجها أكثم بن الجون يسوق غنمًا أعنزًا عجافًا، فلما رأى اللبن عجب وقال: من أين ولا حلوب في البيت؟ قالت: مر بنا رجل مبارك من حاله كذا، قال: صفيه؟
قالت: ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ أَبْلَجُ الْوَجْهِ حَسَنُ الْخُلُقِ لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صعْلَةٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ وَفِي صوَتِهِ صَحَلٌ وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ. وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ أَحْوَرُ أَكْحَلُ أَزَجّ أَقْرَنُ شَدِيدُ سَوَادِ الشّعْرِ إذَا صَمَتَ عَلاهُ الْوَقَارُ وَإِذَا تَكَلّمَ عَلاهُ الْبَهَاءُ أَجْمَلُ النّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلاهُ مِنْ قَرِيبٍ. حُلْوُ الْمَنْطِقِ. فصل لا نَزْرٌ ولا هَذَرٌ كَأَنّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَنحدرنَ، رَبْعَةٌ لا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ ولا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ. غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثلاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدًا. لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفّونَ بِهِ. إن قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ. وَإن أَمَرَ تَبَادَرُوا إلَى أَمْرِهِ مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ. لا عَابِسٌ وَلا مُفْنِدٌ .
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره وقد هممت أن أصحبه ولأفعلن إن وجدت لذلك سبيلاً.
___________________
كتاب «دلائل النبوة» للبيهقي.