«شكيتكم لله» بهذه العبارة التي خرجت من أعماق فؤاد المقدسية نورا صب لبن (68 عاماً) أثناء تهجيرها من بيتها قسراً من قبل قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، هُجرت من بيتها الذي عمره يفوق 150 عاماً؛ أي أكبر بكثير من عمر الاحتلال ووجوده على أرض فلسطين، حيث عاش والدها فيه، وولدت وترعرعت بين أحضانه، وتزوجت وأنجبت أبناءها وأحفادها بين جدرانه الحانية في عقبة الخالدية وبالتحديد في البلدة القديمة بمدينة القدس المحتلة.
"شكيتكم لله.. القدس بتضل عربية" .. المقدسية "نورة صب لبن" من أمام منزلها بالبلدة القديمة بالقدس المحتلة بعد استيلاء قوات الاحتلال ومستوطنيه عليه pic.twitter.com/oltnrTofVP
— وكالة شهاب للأنباء (@ShehabAgency) July 11, 2023
مؤامرات وتهديدات
هذا البيت يُعد من البيوت الأثرية القديمة جداً ذات موقع إستراتيجي مهم، حيث يبعد مسافة أمتار قليلة عن المسجد الأقصى؛ الأمر الذي جعل نورا وعائلتها تعيش سنوات طويلة قاربت 50 عاماً حاملة على ظهرها الكثير من القضايا التي رُفعت من أجل الحفاظ على هذا البيت.
وبين كل فترة وأخرى خلال هذه السنوات كان الاحتلال يبحث عن حجج واهية يحاول من خلالها الاستيلاء على المنزل.
تغطية صحفية: المستوطنون يسيطرون على منزل عائلة صب لبن في عقبة الخالدية بالقدس المحتلة. pic.twitter.com/WCCA7NTfim
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) July 11, 2023
وكان الخطر يحدق بهم خاصة بعد الاستيلاء على الطابق العلوي من المنزل، وإسكان مستوطنين يعدون الأكثر عدواناً وخطراً على الفلسطينيين.
ورغم المؤامرات والتهديدات التي كانت تحاك بطرق مختلفة من قبل الاحتلال؛ لتهجير عائلة «صب لبن» من البيت، فإنها كانت تثبت وتمتنع عن تنفيذ قرار الإخلاء.
الاستيلاء على البيت
صمود عائلة «صب لبن» خلال السنوات الطويلة كان يحول من الاستيلاء على المنزل، رغم أن الاحتلال كان قد أصدر قراراً بمنع أبنائها من العيش معها في ذات البيت، والاكتفاء فقط بالعيش فيه مع زوجها، الأمر الذي زاد من معاناة العائلة وتشتتها.
ذلك جعل نورا لا تبرح من مسكنها خوفاً على الاستيلاء عليه، لكنها بسبب مرضها وكبر سنها وحاجتها للعديد من الفحوصات والعلاج والعناية ذلك جعلها تذهب لفترة مؤقتة لبيت نجلها، فلم يكن لها حل آخر غير ذلك؛ نظراً لأنه يُمنع أبناؤها من دخول البيت بقرار من الاحتلال.
تغطية صحفية: "المستوطنون يلقون أثاث عائلة غيث صب لبن في الطريق بعد أسبوعين من استيلائهم على منزل العائلة في القدس". pic.twitter.com/mAx6T7Zck0
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) July 23, 2023
هذا جعل الاحتلال يجد من هذه الظروف فرصة لتطبيق قرار الاستيلاء على البيت بكل ما فيه، وإسكان مستوطنين أبدلوا سريعاً مفاتيح البيت بمفاتيح أخرى، رغم كل المحاولات التي منعت من خلالها نورا وعائلتها ذلك، ولكن دون جدوى أمام ظلم الاحتلال فتم تهجيرها قسراً من البيت والاستيلاء عليه.
وهذا البيت ليس الأول الذي يتم سرقته، فهنالك المئات من البيوت غيره، والعديد منها تحت قرار التهجير القسري الذي يسعى من خلاله نشر البؤر الاستيطانية في البلدة القديمة، وتهويدها؛ لتحقيق زعمهم بأنها مدينة يهودية تحتوي على قلة من الفلسطينيين.
خطر يهدد «الأقصى»
وتأتي عملية سرقة بيوت المقدسيين ضمن خطة ممنهجة يسعى الاحتلال من خلالها إلى فرض السيطرة على مدينة القدس خاصة البيوت القديمة القريبة من المسجد الأقصى المبارك، ويتم السعي بذلك بكافة الوسائل، منها التهجير القسري، والاستيلاء على الأراضي والبيوت والمحلات التجارية تحت بند أملاك الغائبين، وغير ذلك.
والأمر الذي يُرهق المقدسي بالضرائب الضخمة المبالغ فيها التي يُجبر على دفعها للاحتلال، نظراً لأنه في حال عدم الدفع سيكون حجة للاحتلال بالسيطرة على المحل، رغم أن هذه الضرائب هي أكبر بكثير من المردود المالي الذي يجنيه صاحب المحل، لكنه يدرك أن الأمر أكثر بكثير من مجرد محل يعمل به.
شيك مفتوح
وفي وجود هذه المضايقات والضرائب كثيراً ما يلجأ الاحتلال إلى محاولة شراء العقارات المقدسية، فيتم عرض مبالغ ضخمة، وتكون عبارة عن شيك مفتوح يقدَّم؛ لإغراء صاحب العقار لبيع ممتلكاته للاحتلال.
وهذا الأمر مُحال رغم المضايقات والاعتداءات، والاعتقالات، والقتل، والتشريد، والتهجير، والضرائب المبالغ فيها التي تُفرض على المقدسيين.
المقدسي يدرك جيداً أن القدس بكل ذرة تراب فيها ترتبط بعقيدته، فالتنازل عنها يعني التنازل عن إسلامه، فهو يدرك المؤامرات التي تحاك ضد القدس وضد المسجد الأقصى بالتحديد، ذلك يجعله أكثر صموداً في مواجهة الاحتلال.
هذا الصمود يحتاج توحيد الجهود الإسلامية والعربية في دعمه على كافة المستويات؛ لمواجهة خطر التهويد.