عام 2002م وفي مساء 22 يوليو، هز انفجارٌ ضخمٌ مدينة غزة، سمعته من مخيم الشاطئ، رأيت لمعانه البعيد، وأصابتني لحظتها خفقة فيها من الخوف والقلق، ذهبت بعدها للبيت وجلست أترقب مع العائلة عن كنه هذا الاستهداف، بعدها بقليل صدح المسجد القريب بتكبيرات منفعلة، فقلت قبل أن يكمل: لقد اغتيل صلاح شحادة.
كنت أعرف أنه المطلوب رقم واحد للمجرم شارون، وقلقت عليه كثيراً بعدما شهدت «كتائب القسام» طفرة نوعية في عملياتها الاستشهادية؛ مما رفع منسوب القتلى في صفوف «الإسرائيليين»، فهو مؤسس الجهاز العسكري لحركة «حماس» «كتائب القسام»، وواضع الكثير من إستراتيجياته العسكرية؛ كتوزيع السلاح على أكبر عدد من المقاتلين، فكان يقول: لا أريد أن تجتمع قطعتا سلاح في بيت رجل واحد.
وهو الذي تحمس لعمليات اقتحام المغتصبات الصهيونية، ويوصي رجاله الذين يشرف عليهم شخصياً، ويطلع على أدق تفاصيل العمليات، ويلتقي بالاستشهاديين ويشرح لهم المهمة والغاية منها، ويلتقطون الصور معه ثم يقول لهم: «ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ».
اهتم، رحمه الله تعالى، بالشباب؛ فكان يطالب بتنظيمهم وإلحاقهم في صفوف الكتائب، ويقوم بتدريبهم وإسناد مسؤوليات كبرى على عاتقهم، وتدفق لحظتها مئات الشباب اليافعين في «القسام»، وتم استيعاب خيرة الجنود الذين أصبحوا من أفاضل القادة فيما بعد، كان يعمل بتكامل ما بين التدريب والتجهيز والتنفيذ، ما بين التنظير ونشر الفكر والوعي الوطني والقيمي والديني والعسكري.
تمتع بكاريزما آسرة، وكانت له هيبة وحضور ملحوظ، ومع ذلك تراه بين جنوده متبسطاً متفاهماً يسابقهم على فعل الأشياء والقيام بالجهد من غير تكلف، ورغم صلابته وحدية طباعه فيما يخص العدو، فإنه منفتح على الآخر، وتميز بالمرونة مع الفصائل الأخرى، وهو صاحب إستراتيجية التعاون معهم وتنفيذ العمليات المشتركة وتبادل الخبرات، فكان ينشر العلم العسكري لمن طلبه، ويقول: طالما ستقاوم إذاً من حقك أن تتعلم، لهذا بكاه قادة «الجهاد»، و«الجبهة»، و«كتائب الأقصى».
الشهيد شحادة وزير الدفاع الفلسطيني في «انتفاضة الأقصى»، نظم من غزة مجموعات الاستشهاديين في مدن الضفة، ونسق بينهم، واختار وقت العملية، وانتظرها بخندقه في أحد أحياء غزة.
من كان قريباً منه أدرك عمق رؤيته وبصيرته؛ حيث وضع تحرير غزة كهدف تكتيكي قريب، وكان يسر لهم أن غزة لا بدّ وأن تحرر لتكون نواة المقاومة الفلسطينية في وجه المشروع الصهيوني، وقال: إن فيها رجالاً لا يمكن أن يُهزموا إن أعطوا الفرصة، ولن يوقفهم حد.
واليوم ينتشر في قطاع غزة عشرات الآلاف من مقاتلي «كتائب القسام» بالتخصصات العسكرية المتنوعة، يحملون سيف القدس بأيديهم، يستعدون ليل نهار لمختلف الاحتمالات، وفي صدورهم طاقة مستلهَمة من روح القائد العام، تمنحهم قدرة لمواجهة العالم بأسره إن اجتمع عليهم ليثنيهم عن طريقهم المرسوم، نحو تحقيق الغاية الكبرى بتحرير فلسطين.