كان الشيخ د. يوسف القرضاوي، رحِمه الله تعالى، واعياً تماماً بأوضاع المسلمين في السويد، ولم يدع أبداً إلى الخصومات أو العقوبات التجارية، بل العكس؛ فقد ثمّن ما قامت به الدولة السويدية من جهود إنسانية لإغاثة آلاف المسلمين اللاجئين والمهاجرين، من فلسطين في الستينيات وإلى الآن، ومن البوسنة في التسعينيات، ومن العراق في الثمانينيات وبعدها، ومن سورية استقبلت السويد في عامي 2014 و2015م أكثر من 170 ألف مهاجر، ومنحت لهم اللجوء والسكن والتعليم مجاناً ومعونات مادية، فكلّ ذلك بتمويل حكومي؛ أي بأموال الضرائب التي يدفعها المواطن السويدي.
أمّا الظاهرة البشعة التي تسمَّى “الإسلاموفوبيا”، فهي منتشرة في عدّة بلدان عبر العالم، شرقاً وغرباً، فحكومة الصين مثلاً اعتقلت مليون مسلم إيغوري في مخَيّمات «تدريبية» حيث أعدموا منهم عدداً مجهولاً.
في ميانمار يعَذَّب المسلمون من الروهنجيا نتيجة التفرقة العنصرية والاضطهاد، وربّما يزيد عدد ضحايا الحرب في سورية عن نصف مليون، منهم آلاف الأبرياء الذين استشهدوا تحت القنابل الروسية، أما السويد فاستقبلت مسلمين لاجئين من هذه الجاليات المظلومة جميعها، بدون تفرقة أو أفضلية.
لمّا جلستُ عند سماحة الشيخ القرضاوي في الدوحة في عام 2013م أهدى لي كتاباً مهمّاً عنوانه «ملامح المجتمع المسلم»، حيث يحلّل فيه الشيخ العلّامة الأنظمة الاجتماعية المختلفة، ويلاحظ أنّ الرأسمالية تقدّس حريّة الفرد، بينما الشيوعية تقدّس الدولة (ص 238).
ونحن يمكننا أن نصف المجتمع السويدي بأنّ أساسه الأيديولوجي يشابه المُعتَزِلة -أي نحتلّ منزلة سياسية بين منزلتين، إنّا لا نقبل تطرّف اليمين ولا تطرّف اليسار- إلا إذا سمح النظام الديمقراطي بقدوم أحزاب سياسية من هذا النوع.
عندما يستغلّ شخص ضالّ، فاسد، الحريّة التي يضمنها له الدستور السويدي (وهو ليس بمواطن) فذلك سوء الاستغلال، وعمل مكروه لدى الرأي العامّ، طبعاً أدانت الحكومة السويدية إحراق نسخة من المصحف إدانة شديدة، نظراً لاعتباره تجاوزاً على قدسية القرآن الكريم واعتداء على المواطنين المسلمين، نعم، بالإضافة إلى ذلك، فتبحث وزارة العدل الآن عن إمكانية تعديل قواعد التجمّعات العامّة وتشديد تطبيق القوانين التي تمنع خطاب الحقد والكراهية.
وخلاف ما تعكسه الصورة الخاطئة، فإن الشعب السويدي يحترم قدسية الحياة وكرامة كلّ مخلوق.
أودّ أن أختم كلامي مستشهداً بهذه الآية الملهمة من سورة «المائدة»: (وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة: 48).