رغم الاعتذار الذي تقدم به وفد إيراني رفيع المستوى للعلاَّمة الشيخ يوسف القرضاوي عن السباب الذي وجهته إليه وكالة “مهر” الإيرانية، فإن حملة الافتراءات والسباب ضد الشيخ من مراجع شيعية لم تتوقف بعد استنكاره لعمليات التمدد الشيعي في الدول السُّنية، ولحملات السب المتواصلة ضد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد خرجت تصريحات في الكويت من السيد محمد المهري، وكيل المرجعيات الشيعية، موجهة سباباً جديداً للعلاَّمة القرضاوي يعد أقذع من سباب وكالة “مهر” الإيرانية، متهماً إياه ببغض الشيعة، والعداء لآل البيت وتفريق جماعة المسلمين، وخدمة الصهاينة وأعداء الإسلام، وطالب علماء السُّنة في الكويت بجميع توجهاتهم البراءة من هذه التصريحات، واصفاً من يسكت عن ذلك بالشيطان الأخرس، كما طالب الأزهر بخلع عمامة العلاَّمة القرضاوي، بل وطالب دولة قطر بسحب جنسيته.
ولا ندري ما الذي بقي من كلمات حادة خارجة عن حدود اللياقة واتهامات باطلة ومطالبات عنترية كان يمكن أن يقولها السيد المهري بعد كل ذلك في حق العلاَّمة يوسف القرضاوي حفظه الله؟!
إن كل ذلك السيل من السباب والاتهامات الباطلة صدرت لأن العلاَّمة القرضاوي انتقد المد الشيعي في البلاد السُّنية، واستنكر سب الصحابة، وطالب بالتوقف عن ذلك.
ونحن نتساءل: إن كانت وكالة “مهر” لا تعبر عن الدولة الإيرانية، فعمن يعبر السيد المهري؟! أليس مرجعاً دينياً من مراجع الشيعة؟! ورغم مرور ما يقرب من أسبوع على هجوم المهري، فإننا لم نسمع ولم نقرأ أن أحداً من مراجع الشيعة استنكر ذلك السباب الجديد للشيخ القرضاوي الذي يعد إمام أهل السُّنة، فلماذا سكتوا كل هذه الأيام؟ أليس السكوت علامة الرضا؟ كما يقولون!
والحقيقة أن الذي كان يُنتظر من إيران ومن المراجع الشيعية هو الخروج ببيان واضح يردون فيه بحقائق واضحة على ما قاله الشيخ القرضاوي، لكن الذي حدث هو هذا السيل من السباب ضد الرجل دون وجه حق، ومن هنا، فإن الاعتذار الذي قدمه الوفد الإيراني سيظل غير كاف قبل التوقف من قبل إيران عن التدخل في البلاد الإسلامية السُّنية، وقبل التوقف عن سب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الشيخ القرضاوي محقاً في اشتراطه للوفد التوقف عن ذلك حتى يتوقف هو عن فتح تلك القضية.
إن حملة الهجوم المتواصلة منذ أسابيع على الشيخ القرضاوي إمام أهل السُّنة سباً واتهاماً، بسبب كلمة حق نطق بها، وهو الذي عرف أكثر من الذين انتقدوه وهاجموه واتهموه وزن الكلمة ومتى وأين يقولها، وهو أعرف بواجبه كداعية إلى الله حيال دينه، وحيال أمته في حملة ظالمة، وإن محاولة النيل من تاريخ هذا العلاَّمة الناصع والحافل بخدمة الإسلام وقضايا المسلمين هي محاولة فاشلة، وترتد على من شارك فيها، فهو الداعية الكبير الذي قضى عمره مجاهداً للذود عن حياض الإسلام، وقول كلمة الحق أمام كل جائر، وقد كلفه ذلك ما كلفه من تضحيات وسجن وتضييق على امتداد حياته، كما أن جهوده الكبيرة للتقريب بين المذاهب والعمل على وحدة الأمة لا ينكرها إلا جاحد، وإن كلماته وكتبه وأبحاثه وأقواله وتحركاته عبر العالم تشهد بذلك.
وغني عن البيان هنا، فإن إيران مطالبة بمراجعة أجندتها ومواقفها وعلاقتها مع دول العالم الإسلامي، وعليها أن توقن أن التدخل بهذا الشكل في البلدان الإسلامية يشق الصف الإسلامي، كما أن عليها أن تغلب علاقات الأخوة والتعاون على إثارة القلاقل بهذا الشكل في داخل البلاد الإسلامية.
وإننا هنا نطالب كل المتخوفين على وحدة الأمة والداعين إلى رص صفوفها في مواجهة المشاريع المتربصة بالمسلمين أن يتحركوا لعقد اجتماع يضم علماء الأمة؛ للبحث بصراحة في كل العوامل والأسباب التي تسبب فرقتها، ولإرساء ما يوحد صفها ويجمع كلمتها، والله نسأل أن يجنب الأمة الفتن ما ظهر منها وما بطن.
_____________________________________________________
العدد (1823)، 19 شوال 1429هـ/ 18 أكتوبر 2008م، ص4.