عندما نتحدث عن هويتنا العربية الإسلامية، فإننا نشير إلى مجموعة من السمات والمعتقدات والقيم التي تميز أمتنا عن الآخرين، فالهوية هي تعبير عن الذات والانتماء، وتشمل الدين واللغة والثقافة والتاريخ والانتماء السياسي، وتشكل أساسًا للتعبير عن الذات والتواصل والتفاعل مع الأمم الأخرى.
ويعد مفهوم الهوية من المفاهيم المُستحدثة في علوم الإنسان بالقرن العشرين، إذ ظهر بشكلٍ كبيرٍ في دراسات علماء النفس، مثل فرويد، وإريكسون، ثم انتقل إلى علوم الاجتماع والسياسة والتاريخ والأنثروبولوجيا.
وتعدّدت تعريفات الهوية، وتنوّعت أنواعها، ولكن يُمكن القول، بشكل عام: إن الهوية هي مزيج من الخصائص والسمات التي تميز الأفراد أو المجموعات الاجتماعية، وتحدد انتماءاتهم وسلوكهم وإدراكهم لأنفسهم.
ولأهمية تعبير أمة من الأمم عن هويتها عدة زوايا، منها المساهمة في بناء الشعور بالانتماء الجماعي، حيث يعتبر الانتماء إلى مجتمع أو أمة جزءًا أساسيًا من هوية الفرد، وتعزيز التماسك الاجتماعي والتكافل بين أفراد الأمة، فعندما يشترك الأفراد في قيم ومعتقدات مشتركة، يصبح لديهم قاعدة قوية للتفاهم والتعاون، مما يسهم في تعزيز العلاقات الاجتماعية وتعزيز التعاون المشترك.
كما أن الهوية تعتبر مصدرًا للتأثير السياسي والثقافي، إذ يمكن للأمم أن تستخدم هويتها المشتركة كوسيلة لتعزيز نفوذها، وهو ما تعبر عنه الكيانات السياسية الاتحادية في عالمنا، ومنها الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال.
وتسهم الهوية أيضاً في تشكيل التعبير الفني والأدبي والموسيقي والمعماري والملابس والطعام، وبالتالي تؤثر في التراث الثقافي وتنوع العالم.
وتتجلى مظاهر التعبير عن هوية أمة من الأمم بعدة طرق، أحدها هو اللغة، التي تعتبر وسيلة رئيسة لتمييز الأمم عن بعضها بعضاً، وفي العديد من الثقافات، تعد الملابس والزي التقليدي جزءًا مهماً من التعبير عن الهوية الوطنية والثقافية.
ومن مظاهر التعبير عن الهوية أيضاً تبني قضايا الأمة والدفاع عن حقوقها ومصالحها، والتضامن مع شعوبها، وتعلُّم التاريخ والجغرافيا التابعة للأمة، وإبراز إنجازاتها، واستخدام لغة الأمة في التواصل والتعليم والإعلام، وحفظها من التشويه أو التغيير، والمحافظة على العادات والتقاليد والأخلاق التي تُشكِّل هوية الأمة، وتطويرها بما يتناسب مع المستجدات، كما يعكس الفن والأدب معتقدات وتاريخ وقصص الأمة، وكلاهما يمثل أدوات تعبيرية تعزز الانتماء والتفاعل الثقافي.
ويفيد التعبير عن الهوية، على مستوى الأفراد، في تعزيز الثقة بالنفس والاحترام الذاتي، والشعور بالقيمة والكرامة، والمحافظة على التراث والثقافة واللغة، ونقلها للأجيال القادمة، والتصدي للغزو الثقافي والفكري.
وتعد المناسبات الاحتفالية بأحداث دينية أو وطنية من أهم مظاهر التعبير عن الهوية، إذ يمكن لهذه الأحداث تعزيز الانتماء وتوحيد الأمة من خلال المشاركة المشتركة في تجارب وتقاليد فريدة.
ولكي تكوّن الأمة هويةً قويةً، فإنّ عليها أن تضطلع ببعض المسؤوليات، من بينها حفظ تاريخها، فالتاريخ هو مرآة تعكس مسيرة الأمة منذ نشأتها حتى يومنا هذا، ويحفظ ذكرى الأحداث التي مرّت بها، سواء كانت إيجابية أو سلبية، كما يحفظ التاريخ ذكرى الشخصيات التاريخية التي ساهمت في بناء الأمة، سواء القادة السياسيين، أو العلماء، أو الفلاسفة، أو الشعراء، أو الفنانين.
ولذا، فإن الاهتمام بالتاريخ الهجري يُعد مظهرًا مهمًا من مظاهر التعبير عن الهوية للأمة الإسلامية، فهو التقويم الذي يعد تاريخ بدايته إلى هجرة نبينا الأكرم عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة؛ ما يعني تعبيره عن الدين والتاريخ من مكونات الهوية.
ويرتبط التأريخ الهجري بمسيرة النبي الأكرم والتطورات الدينية والثقافية للإسلام، ولذا فهو مظهر من مظاهر تعزيز الانتماء الديني وفهم القيم والتعاليم الإسلامية، كما يعتبر رمزًا للوحدة والتماسك بين المسلمين، بما يمثله من تذكير للأمة الإسلامية بتاريخها المشترك وروابطها التاريخية من خلال الأحداث والمناسبات التي تحتفل بها وفقًا للتقويم الهجري، مثل شهر رمضان وعيد الأضحى.
ومن شأن ترسيخ الشعور بالانتماء أن يدعم تعزيز الوحدة والتعاطف بين المسلمين، وهو ما يعزز هويتهم الثقافية بالتبعية.
والتاريخ الهجري شاهد على الاستمرارية التاريخية للأمة الإسلامية، ومن خلال التعرف على أحداثه وشخصياته يتم بناء الوعي التاريخي والتراث الثقافي الذي امتد لعدة قرون.
ويعكس الاهتمام بالتاريخ الهجري تعبيرًا مهمًا عن الهوية والثقافة الإسلامية، ويساهم في تعزيز الانتماء الديني والوحدة والتماسك بين المسلمين، وذلك عبر استخدامه في تسجيل وتوثيق الأحداث والمناسبات الدينية، وإظهار الاعتزاز به كرمز للهجرة النبوية الشريفة، التي كانت بداية تأسيس الأمة الإسلامية.
ولا شك في أن المحافظة على معرفة الشهور الهجرية ومواقيتها، وضبط أوقات العبادات والمعاملات بها أمر مهم في إطار الحفاظ على هوية الأمة، وهو ما ينبغي الاهتمام بتعليمه للأطفال.
إن التاريخ الهجري ليس مجرد طريقة لحساب الزمن، بل هو رمز وهوية لأمتنا، التي تفتخر بتاريخها وحضارتها وعبادتها، ويربطنا بالهجرة النبوية الشريفة، التي كانت نقطة تحول في تاريخ الإنسانية كلها، ويذكرنا بالأحداث والمناسبات التي تزامنت مع الشهور القمرية، التي تعكس قيمنا ومبادئنا وثقافتنا، ولذا فإن استخدام التاريخ الهجري في حياتنا اليومية، والاعتزاز به، ضرورة ثقافية وتربوية لأبنائنا وأحفادنا.