إنني أعتبر هذا تقديراً جديداً يكمل تقدير واعتراف جماهير المسلمين وعلمائهم في أنحاء العالم الإسلامي الذين تلقوا كتبي بالقبول والثناء.
إن قيمة الجائزة الأدبية أغلى بكثير، خاصة أنها تحمل اسم رجل عزيز على المسلمين كان رمزاً للدعوة للتضامن الإسلامي وتحرير السجد الأقصى.
بهذه الكلمات، بدأ فضيلة د. يوسف القرضاوي حواره مع “المجتمع” بعد فوزه بجائزة الملك فيصل العالمية، وأضاف أن قيمة الجائزة “المادية” قد أوقفتها على العمل الدعوي والبحث العلمي وفي الدراسات الإسلامية لخدمة الإسلام.
على أي الدراسات العلمية كان فوزكم بالجائزة؟
– كانت الجائزة على مجموعة من الأعمال الفقهية، وليس عملاً واحداً، في مجال الدراسات الإسلامية، وفي كل عام يعين مجال أو موضوع يكون هو المطروح للجائزة، وفي هذه السنة كان موضوع الجائزة هو الدراسات الفقهية، والدراسات الفقهية هي أحد اهتماماتي، فمن فضل الله سبحانه وتعالى أن اهتماماتي لها أكثر من مجال.
ما تقديركم لهذا الفوز؟ وهل هذه هي المرة الأولى للترشيح أو الفوز بالجائزة؟
– إنني أعتبر هذا تقديراً جديداً واعترافاً يكمل اعترافات سابقة من بينها اعتراف جماهير المسلمين وعلمائهم في أنحاء العالم الإسلامي الذين تلقوا كتبي بالقبول والثناء حتى طبع كتاب من كتبي هو “فقه الزكاة” أكثر من عشرين مرة، وكذلك “الحلال والحرام” أكثر من خمسين مرة، وترجمت معظم كتبي إلى اللغات التي يتحدثها المسلمون في العالم، واللغات الحية.
ومن ضمن التقديرات التي تضاف أنه سبق أن رشحت لجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام منذ أكثر من 10 سنوات بترشيح من جامعات عربية، ومؤسسات ومراكز إسلامية، منها: جامعة قطر، وجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وجامعة الإمارات، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الأزهر، وجامعة أسيوط، وجامعة المنصورة، والجامعة الإسلامية بإسلام آباد.
وهناك تقدير آخر من الإخوة الذين رشحوني لجائزة البنك الإسلامي للتنمية في الاقتصاد الإسلامي عام 1411هـ، ثم جاءت جائزة الملك فيصل تتويجاً وتتميماً لهذا، وإن قيمة هذه الجائزة في مضمونها الأدبي والمعنوي وليست في قيمتها المادية، ولا يسعني إلا أن أشكر الذين رشحوني والذين قدموني.
ما الأثر الذي تتركه الجائزة في مسيرتكم العلمية؟
– أما إنها تدفعني إلى شيء فلا أظن ذلك، لأنني والحمد لله قد اتخذت طريقي وحددت غايتي ووضح منهاجي، فأنا أعيش للعلم والدعوة، لكن لا شك أن الإنسان يسره أن يقدره الناس التقدير المعنوي، جاء في الحديث أنه “عاجل بشري المؤمن..”.
لكن هذا التكريم له أهميته ودلالته في هذه الفترة، أن هناك للأسف في بلادنا العربية والإسلامية أناساً ليس لهم هم إلا تشويه الآخرين والأعلام من المسلمين وهدم القيم الإسلامية، بل تطاولوا على الأموات ولم يكتفوا بالأحياء، وقد وصل الأمر ببعضهم أن ينم النووي، والعسقلاني، وبعضهم تحدث عن حسن البنا، وسيد قطب، والمودودي، فضلاً عن الأفغاني، ومحمد عبده وهذا من قديم.
كيف ترون مسيرة الدراسات الفقهية اليوم؟
– لا شك أن الدراسات الفقهية قدمت رجالاً كثيرين خدموا الفقه، ومنهم فضيلة الشيخ سيد سابق الذي نفع الله به الكثيرين، بكتابه المعروف “فقه السُّنة” بما فيه من تبسيط للفقه، وتيسيره على الناس، وهناك بعض الإخوة مثل د. عبدالكريم زيدان الذي أصدر هذه الأيام كتاباً من عشرة أجزاء يحمل عنوان “المفصل في فقه الأسرة”، ويعتبر عملاً جيداً ورائعاً بكل المقاييس، وهناك عدد كبير من الباحثين يعملون في الجامعات سواء بالتأليف أو في الفقه المقارن، وهناك من يشتغل بأصول الفقه، وهو من الأمور والجوانب التي تعنينا كثيراً، لأن علم أصول الفقه يتعلق بالمنهج.
وهناك في الدراسات الفقهية من يشتغل بالتحقيق، كما يفعل حالياً د. عبد العظيم الديب الذي يبحر منذ سنوات طويلة وينقب في واحد من أمهات كتب الفقه عند الشافعية وهو “نهاية المطلب” لإمام الحرمين، وهذه خدمة جليلة ومهمة لإخراج الكتب بصورة عصرية ومنظمة ومفهرسة، كما فعل د. الحلو في كتاب “المغني” بالتعاون مع د. التركي في إخراج هذه الموسوعة.
الفقه المقارن يبدو ضرورة بجوانبه المختلفة في العصر الحاضر، كيف ترون القضية؟
– أؤكد أهمية الدراسات الفقهية المقارنة، سواء بين المذاهب الفقهية، ولا أعني المذاهب الأربعة فقط، بل المذاهب الثمانية، الأربعة المعروفة، والمذهب الظاهري، والزيدي، والإباضي، والجعفر، وهناك ما هو أهم من ذلك كله؛ وهو مذاهب الصحابة وأتباعهم، وهي كثيرة جداً، ثم هناك دراسة مقارنة بين الفقه والقانون، فهذه أيضاً أمور مطلوبة، وهناك من يعمل في هذه الجوانب، لكننا في حاجة إلى أجيال جديدة، نحتاج إلى عمل لتخريج أجيال من النوابغ من أبنائنا يخدمون في هذا المجال، قادرين على الاجتهاد والتجديد إن لم يكن الاجتهاد المطلق وهو ليس بمستحيل، فليكن الاجتهاد الجزئي، والاجتهاد الترجيحي.. نحن في حاجة لأن نربي جيلاً من العلماء الشباب ليعملوا في هذا الجانب، ونرجو من الله أن يوفق الذين يعملون في الجامعات الإسلامية والكليات الشرعية ليخرجوا هذا الجيل المنشود.
___________________________________________________________
العدد (1092)، 3 شوال 1414هــ/ 15 مارس 1994م، ص 47.