رداً على الإساءة للمصحف الشريف في السويد صبيحة يوم عيد الأضحى الماضي، سعت الدول الإسلامية في مسارات متنوعة رفضاً لتدنيس المقدسات وتجريم الإساءة لها، منعاً لتكرار ظاهرة الإساءة لمقدسات المسلمين وأيضاً تقديراً لكل المقدسات.
دول عربية وإسلامية استدعت سفراء السويد لديها واستنكرت السماح بحرق نسخة من المصحف الشريف تحت دعوات حرية التعبير، التي باتت معبراً للإساءة لمقدسات المسلمين.
بالتوازي مع هذا، سعت الدول الإسلامية دبلوماسياً في أروقة الأمم المتحدة لتجريم الإساءة للمقدسات، ونجحت في إقرار مشروع قرار لإدانة أعمال الكراهية الدينية.
ففي 12 من يوليو، اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مشروع قرار تقدمت به باكستان عن دول منظمة التعاون الإسلامي لإدانة أعمال الكراهية الدينية، لا سيما في ظل تنامي الكراهية و«الإسلاموفوبيا» وتعمد الإساءة لمقدسات المسلمين، مشروع القرار صوتت لصالحه 28 دولة أغلبها بلاد إسلامية، بينما عارضته 12 دولة معظمها أوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا.
وينص مشروع القرار على إدانة كل عمل متعمد علني يستهدف المقدسات خصوصاً حرق نسخة من القرآن الكريم، وكذلك نص على وجوب اعتماد الدول قوانين وتشريعات لملاحقة مرتكبي الأفعال التي تثير الكراهية وتذكي روح العداء للأديان.
من المسارات البارزة أيضاً في حراك الدول الإسلامية، ما سعت فيه دولة الكويت بطباعة مائة ألف نسخة من القرآن الكريم مترجمة للغة السويدية.
ثمة أفق أوسع للحراك
في مقابلة مع «المجتمع»، يقول د. حسام شاكر، الكاتب والخبير في الشؤون الأوروبية: لا شك أن مواقف الدول الإسلامية هي على استنكار عام لهذه الأفعال المتطرفة التي تمس المسلمين في دينهم وعقيدتهم وكرامتهم وتستفزهم معنوياً وتسبب إساءات بالغة لهم، وهذه المواقف وإن بدت مسموعة على المستوى الدولي، إلا أنها لا تمثل الحد الأقصى الذي يمكن للدبلوماسية الخاصة بالدول العربية والإسلامية أو بجهود التحرك أن تبلغه، ويمكن قياس هذا بالمثال الشهير «ماذا لو مُسّت رموز بعض الدول الوطنية بأعمال إساءة وتشويه واستفزاز.. كيف ستكون ردود الفعل؟!».
خيارات تتعدى النمطية
ويضيف: بوسع الدول الإسلامية أن تتصرف بشكل أكثر فعالية على المستوى الدولي في مواجهة حملات الإساءة المحبوكة لمقدسات المسلمين والإيذاء المعنوي لشعوب العالم الإسلامي عموماً، وهذا ما ينبغي الوعي به أن ثمة خيارات للتصرف تتعدى المواقف النمطية التقليدية التي تأتي إثر هذه الإساءات المحبوكة.
وثائق هشة وإلزام غائب
ويوضح شاكر أنه بالرغم من تحفظ الدول الأوروبية عموماً على مساعي تجريم هذه الممارسات المتطرفة كما يُلحظ في مواقف معظمها الدول في الهيئات الدولية في التصويت على قرارات الإدانة والتجريم الخاصة بالإساءة للمقدسات الإسلامية، لدينا وفرة من الوثائق والقرارات الدولية الصادرة عن هيئات دولية منها مجلس حقوق الإنسان بالجمعية العام للأمم المتحدة المناهضة لـ«الإسلاموفوبيا» والأعمال المتعصبة ضد الأديان والمقدسات ونحو هذا، ولكنها لم تُترجم للواقع العملي على نحو يكبح هذه الممارسات في أرض الواقع، وهذا يشير إلى أن طبيعة الإلزام الخاصة بهذه الوثائق والقرارات الدولية ضعيفة جداً أو غائبة في الأساس، ولهذا تبقى لها قيمة رمزية دون أن تتم ترجمتها على أرض الواقع.
استنكار على استحياء
ويرى أن هذا يشير إلى أهمية العمل الدولي على مستويات أكثر فعالية، وبوسع الدول بلا شك أن تتصرف بشكل آخر أخذاً بعين الاعتبار توازنات المصالح المتبادلة بين الدول، فبالنظر إلى المواقف الأوروبية عموماً أو مواقف الدول المعنية، نجد أن ثمة تراخياً في التعليق على هذه الممارسات، حتى عندما تُستنكر تأتي بنبرة مخففة للغاية، وهذا يشير إلى مشكلة لدى هذه الدول الأوروبية المعنية في تصنيف ما يجري ويشير بالأحرى إلى غياب الإرادة السياسية لديها، وأقصد هنا الحالة السويدية على سبيل المثال، غياب الإرادة السياسية في التعامل والتصرف مع هذا الموقف.
حرائق ثقافية
ويشير إلى أهمية فهم خلفيات السماح بمثل هذه الممارسات التي تتعدى مقولة حرية التعبير إلى وجود بيئة حاضنة لخطاب متحامل على المسلمين، فنحن إزاء أزمة من الواضح أنها ستستمر، وأن الأطراف المتطرفة في عالمنا تحاول أن تشعل حرائق ثقافية ودينية من خلالها يجري حدوث نوع من القطيعة وأزمات بين دول أوروبية معينة وبين العالم الإسلامي، علاوة على عزل مسلمي هذه الدول الأوروبية التي تحدث فيها الإساءة، واستفزازهم، ودفعهم إلى ردود فعل معينة تعزلهم عن المجتمع والثقافة العامة في المجتمع.
ويختتم شاكر: يمكن القول: إن المسلمين في أكثر من بلد أوروبي عبروا عن وعي بهذا المنحى وحكمة في إظهار موقفهم دون الانجرار إلى ردود فعل غير محسوبة، وأيضاً بعض الأوساط تحاول أن تتكسب سياسياً من خلال افتعال هذه الأزمات الثقافية العابرة للحدود، وإشعال الموقف على أساس إثني أو ديني، وهذا يمثل بلا شك تحدياً متزايداً في عالم يُفترض أنه يتقارب، وبالتالي تزداد فرص الاحتكاك القائمة فيه على أسس دينية أو ثقافية معينة، وهذا يتطلب مقاربات أكثر فعالية في التعامل مع هذا التحدي من الأوساط جميعها.
فهم الحالة
ومن جانبه، يؤكد د. أنس التكريتي، رئيس مؤسسة قرطبة لحوار الحضارات، أهمية أن نعي أننا أمام مسألة شائكة، ولهذا يجب أن تتم معالجتها من عدة جوانب، سواء من جهة الشخص نفسه والدافع الذي دفعه لهذه الإساءة، وكذلك السويد ومسألة السماح أو منع الإساء للمصحف الشريف، بالإضافة إلى المجتمع المسلم في السويد ودوره الفعال إزاء هذه الإساءات، ثم الأمة الإسلامية كحكومات وشعوب.
ويقول التكريتي، في مقابلة مع «المجتمع»: بخصوص الشخص الذي قام بالإساءة، يجب أن نلتفت إلى أن هذا الشخص واضح أنه مضطرب نفسياً سواء كان ذلك في إطار مسعاه للحصول على الجنسية السويدية، أو خلفيته عندما كان بالعراق.
ويضيف: بلا شك نحن لا نقبل الإساءة لمقدساتنا بأي شكل، وبالتأكيد الإساءة هي عمل قميء وقبيح بغض النظر عن الذرائع والمسببات، لكن السؤال الذي أريد أن أطرحه هو: هل من المعقول أن شخصاً يبدو أنه مضطرب نفسياً وعقلياً ويسعى لمقاصد معينة أن يجر بلادًا بأكملها وشعوبها إلى أن تضطرب بهذا الشكل الذي رأيناه؟! الحقيقة أنا عندي قلق من هذا الأمر.
ويشير إلى أن واحدة من الوقفات التي نظمها هذا الشخص المسيء، قام خلالها بالإساءة للمصحف الشريف وإهانة العلم العراقي، وبناء عليه قام العراق ممثلاً برئيس وزرائه محمد شياع السوداني باستدعاء القائم بالأعمال العراقي من السويد، وطرد السفيرة السويدية، وتعليق ترخيص عمل شركة إريكسون السويدية للاتصالات على الأراضي العراقية، إضافة إلى إحراق السفارة السويدية بالعراق، ويتساءل: هل من المعقول أن شخصاً مثل هذا ولم يعرفه أو يسمع به أحد قبل واقعة الإساءة للمصحف، يجر بلداً بكامله لهذه الإجراءات، خاصة وأننا أمام إساءات تتكرر من وقت لأخر، كما حدث في السابق من الرسوم المسيئة في الدنمارك أو في فرنسا، أو الإساءات ضمن أفلام تم إنتاجها؟!
رد عملي
وأثنى التكريتي على موقف دولة الكويت بإعلانها طباعة وتوزيع نحو 100 ألف نسخة من القرآن الكريم باللغة السويدية، فهو أمر إيجابي جداً، فديننا علمنا أن نكون إيجابيين مبادرين، ومثل هذه الإساءات التي تمس مقدساتنا لم نتعلم أن نردها بالمثل، وإنما كي نستثمرها بتقديم إضافة إيجابية والصورة الناصعة لديننا.
ويرى التكريتي أن الإشكالية هي في التفاعلات التي يغلب عليها الشحن العاطفي وتحدث خلالها مظاهر الفوضى، أما المبادرات الإيجابية فهي الصورة المثلى للرد.