ما بين ادعاءات التطوير، والإضافة والتعديل والحذف، جرت عملية تشويه واضح لمحتوى ومضامين منهج مادة التربية الإسلامية، خلال مرحلة التعليم الأساسي، التي تعد اللبنة الأولى في تكوين هوية وشخصية الطالب، وبلورة أفكاره وتوجهاته.
منهج مادة التربية الدينية الإسلامية للعام الدراسي 2022 – 2023م المقرر على طلاب الصف الثالث الإعدادي في مصر، على سبيل المثال، تضمن في الوحدة الثالثة من الكتاب، درساً معنوناً بـ«السلام والثقافة والفنون»، يقدم رؤية مميعة ومفككة وضعيفة بشأن نظرة الإسلام للفنون.
يقول الكتاب نصاً في الصفحة رقم (50): الموسيقى لغة عالمية، يسمعها الناس جميعاً على اختلاف ألسنتهم، فيتأثرون بها، ويفرحون لها، والغناء صوت جميل، يرتاح له القلب، وتهتز معه النفس، إذا كان ترديداً لكلام طيب جميل، لا يخدش الحياء، والإسلام قد شرع الغناء في العرس، ودعا إليه ولم ير فيه عيباً، ولا بأساً، ما دام لا يُذكر فيه باطل أو منكر».
واصل واضعو محتوى الكتاب «المطور» تقديم رؤيتهم المختلة، بالقول: «نعلم أن الغناء قد أباحه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إليه في العرس؛ لإشاعة البهجة والفرحة، في مثل هذه المناسبات الكريمة، بشرط ألا يشتمل الغناء على شيء محرم»، دون تفصيل أو توضيح أو إشارة موجزة لما يجب تحريمه عند الغناء.
هنا.. الكتاب لا يقدم رؤية مكتملة لموقف الإسلام من الموسيقى والغناء والفن، كذلك تغاضى من أشرفوا على «تطوير» هذا المنهج، عن ذكر أي قول يحرم ما تتضمنه الأفلام الهابطة، والمسلسلات التافهة، وأغاني اليوم، من كلمات بذيئة وفاحشة، كذلك ارتداء الملابس الفاضحة، والرقص الهابط، وما يستتبعه الغناء الذي نشاهده في عصرنا الحالي من اختلاط ومجون وإباحية وإثارة للشهوات، وغير ذلك.
حينما ينفصل المنهج الذي يجري تدريسه عن واقع المجتمع الذي نعيش فيه، فإن هذا يعني بالتأكيد انفصال العلم عن الناس، وعن واقعهم الحياتي، وعن المشكلات والأزمات التي يعانون منها، وعن الانحلال الأخلاقي الذي ضرب شبابنا وبناتنا، فكم من جريمة اغتصاب أو زنى أو تحرش ارتكبت بسبب الغناء الفاحش، والأفلام الهابطة، ومسلسلات العنف والبلطجة، والمشاهد الإباحية، فضلاً عن الحفلات التي تتكلف ملايين الدولارات من أجل استقدام مغن أو راقصة، في بلاد تعاني الفقر والغلاء؟!
وتكشف نظرة ثانية على كتاب التربية الإسلامية لطلاب الصف الأول الإعدادي، للعام الدراسي 2020 – 2021م، في الصفحة رقم (37)، عن الاستعانة بصورة تُظهر فتاة تكشف عن شعرها، وأخريات لا يرتدين الحجاب الشرعي، وهو نمط من «التطوير» الذي طال المناهج خلال السنوات الأخيرة، من خلال استخدام الصورة، ومحاولة ترسيخ شكل ما للفتاة أو المعلمة بدون حجاب؛ ما يعطي انطباعاً لدى الطالب بأن هذا هو الشكل المعتاد والطبيعي للمرأة في المجتمع.
اللافت في الكتاب ذاته، في الدرس المعنون بـ«من أحكام التجويد»، صفحة رقم (10)، حيث جرى تصدير الدرس بصورة لشيخ يحفّظ فتاتين تكشفان عن شعريهما قدراً من القرآن الكريم، مع تعليمهما أحكام «القلقلة»، وكأن هذا هو الشكل المعتاد للفتاة حينما تجلس أمام معلمها، أو حينما تحفظ كتاب الله تعالى، في تغييب واضح وخطير لفريضة الحجاب، والصورة المثلى للفتاة المسلمة التي يجب أن تتربى على الحياء والعفة، وعدم التبرج، خارج بيتها، أو إظهار شعرها أمام الغرباء.
الأمر تكرر في منهج التربية الدينية الإسلامية لتلاميذ الصف الثاني الابتدائي للعام الدراسي 2021 – 2022م، مع تكثيف الصور في أكثر من صفحة داخل فصول الكتاب، مع تضمين صور أقل لطفلة محجبة، حتى يترسخ في ذهن الطفل أن الشائع هي تلك الصورة، وأن هذا هو الشكل الأفضل لكل طفلة، ستصير في المستقبل صبية، وزوجة، بينما المحجبة «استثناء»، وليست هي الشكل الغالب في المجتمع، أو الصورة المثلى والمرغوبة للمرأة المسلمة.
ما سبق إشارات بسيطة، قد تميط اللثام عن بعض جوانب مخطط «التطوير» المزعوم لمناهج التعليم، ومحاولة تفريغ مادة الدين من مضمونها، وإضفاء نوع عليها مما يسمى بـ«الحداثة»؛ بدعوى مواكبة تجديد الخطاب الديني، ومحاربة التطرف والتشدد، ومحاولة تخريج أجيال أكثر تحرراً وانفتاحاً.
إن الأمر هنا أشبه بمن يضع السم في العسل، لتلاميذ وطلاب لا يمتلكون القدرة الكافية على فرز الطيب من القبيح، ومعرفة الحلال من الحرام، وما يجب اتباعه والعمل به من أوامر الله عز وجل، وسُنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ما يفتح الباب على مصراعيه، خلال سنوات أو عقود، أمام تخريج أجيال على قطيعة مع صحيح الكتاب والسُّنة، أو على أقل تقدير ذات هوية مشوهة، وشخصية ممسوخة، وعقلية متحررة من كل قيمة أو فضيلة.