تعتبر جميع أراضي فلسطين التاريخية مستهدفة من طرف هذا الاحتلال الإحلالي الذي يهدف إلى الاستيلاء على الأرض، والعمل بكل الوسائل على إخلائها من سكانها الأصليين (الشعب الفلسطيني)، لكن ما يميز بلدة سبسطية التاريخية شمالي الضفة الغربية المحتلة أنها تحمل قيمة تراثية عالمية، وأن لها أهمية في الروايات التوراتية التي رغم تفنيدها بالحقائق التاريخية والشواهد الأثرية، فإن الاحتلال ما زال يستخدم تلك الروايات لتشريع وجوده وتكريسه، بل وتنظيم رحلات دورية لجنوده، كنوع من التعبئة المعنوية من خلال ربط الموقع زورًا بروايات دينية أُخرجت من سياقها لتظهر وجود الاحتلال والدفاع عنه كأنه واجب مقدس.
وفي إطار سياسة الاحتلال القديمة الجديدة والمتجددة، اقتحم وزيرا الاحتلال عيديت سيلمان، وإلياهو، يوم الثلاثاء 14 مارس 2023، بلدة سبسطية بدعوة من رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة يوسي دغان، وصرحا، حسب ما نقلت صحيفة «يسرائيل هيوم»، أن السلطة الفلسطينية تعمل بشكل منهجي على تدمير البقايا الأثرية التي تؤكد ارتباط شعب «إسرائيل» ببلدهم.
وبعد هجمة إعلامية وسلسلة من المزاعم والروايات الدينية والافتراءات على السلطة الفلسطينية من طرف وزراء ومتعصبين في الكيان المحتل، أعلنت حكومة الاحتلال، في 7 مايو 2023، عن تخصيص ميزانية قدرها 32 مليون شيكل (8.8 ملايين دولار)، لتهويد موقع سبسطية الأثري.
يهدف المشروع إلى فصل المنطقة المصنفة «ج» حسب اتفاق أوسلو عن المنطقة المصنفة «ب»، من خلال سياج أو سور فاصل، والقيام بأعمال تنقيب في الموقع، وتوفير خدمات للزوار ومنها بالطبع تفسير الموقع بعيدًا عن الحقائق التاريخية وبما يخدم أهدافهم الاحتلالية العنصرية، وبالإضافة لمخالفة الاحتلال للقوانين والاتفاقات الدولية التي تمنع جهة الاحتلال من التنقيب وتغيير واقع المواقع الأثرية في الأراضي المحتلة، فإن لهذا المشروع أضرارًا مباشرة تلحق بالموقع الأثري وبسكان سبسطية، وهي على النحو الآتي:
1- من خلال تجربتنا مع هذا الاحتلال نعتقد بأن أي عملية استيلاء على الأراضي وفصل للمنطقة المستهدفة سواء ببناء سور أو سياج سيبقى هذا الفاصل قائمًا حتى زوال الاحتلال، وقد يكون هذا المشروع مقدمة لإقامة مستوطنة على الأراضي المصادرة.
2- سوف يكون لهذا المشروع فوائد اقتصادية للاحتلال على حساب المستثمرين الفلسطينيين في قطاع السياحة، وتحديدًا أهالي بلدة سبسطية من أصحاب المطاعم السياحية وبيوت الضيافة والأكشاك السياحية؛ لأن المجموعات السياحية سوف تزور الموقع الأثري في المنطقة «ج» وتغادر دون دخول البلدة.
رغم تخصيص حكومة الاحتلال 150 مليون شيكل لإقامة 6 مستوطنات سياحية إضافية في الضفة الغربية ومن ضمنها سبسطية، فإن تركيزنا على سبسطية في المقاومة الميدانية السلمية والحديث عبر وسائل الإعلام وفي مختلف المنابر الدولية عن سبسطية وعن جميع المواقع الأثرية المستهدفة، يعتبر تجربة وحالة دراسية حول أفضل الطرق لوقف تغول الاحتلال وحكومته العنصرية.
ويأتي السؤال: من يقود هذه الجهود ويدير الأزمة؟
لا شك أن الجهة صاحبة الوصاية القانونية والأولى بالقيادة هي وزارة السياحة والآثار، لكن العمل على إحباط مشروع الاحتلال الرامي لبسط السيطرة على جميع المواقع الأثرية في الضفة الغربية يستوجب التعاون والتكامل ما بين مختلف الوزارات والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني، فهي مسؤولية علمية ووطنية جماعية، ولا مكان للتفرد أو الاستعراض أو الجهود المبعثرة.
وعلى المستوى الرسمي، يجب أن تتعاون وزارة السياحة والآثار مع الوزارات الأخرى ذات العلاقة، وأهمها وزارات الحكم المحلي، والعدل، والخارجية، والإعلام، ويجب الاستعانة بمن يلزم في الداخل وفي الخارج والتعاون والتنسيق مع المؤسسات غير الحكومية سواء المهتمة بالحفاظ على الموروث الثقافي أو المناهضة للاحتلال، وتزويدهم بالمادة العلمية والإعلامية اللازمة لإيصال صوتنا لكل شعوب العالم، وتتلخص مهام اللجنة الرسمية والشعبية المقترحة بالآتي:
1- مهام قانونية: البحث في السبل القانونية وتنفيذ ما يلزم، سواء فيما يتعلق بالقانون الدولي أو توجيه أصحاب الملكيات الخاصة لرفع دعاوى قانونية لمحاكم فلسطينية أو خاصة بالاحتلال أو دولية.
2- مهام إعلامية: تقوم اللجنة بحشد الجماهير للاحتجاج على المشروع ومن ضمنهم أصحاب الملكيات الخاصة، ويتم استدعاء وسائل إعلام محلية ودولية، وشرح المخالفات القانونية والظلم الذي تمارسه سلطات الاحتلال على الشعب الفلسطيني وتحديداً على أهالي سبسطية.
3- مقاومة شعبية سلمية: تقوم اللجنة بتنظيم وقفات احتجاجية سلمية تشارك فيها المؤسسات الرسمية والشعبية والفصائلية.
4- تنظيم فعاليات ثقافية وفنية مجانية الحضور لتعزيز التواجد الفلسطيني في الموقع.
5- نقض مزاعم الاحتلال ونشر التوعية وتقديم تاريخ سبسطية بأسلوب علمي محايد، حيث إن سبسطية لم تكن يهودية.
وأخيراً، أود التأكيد على أهمية التوعية والتعبئة الفكرية والمعنوية لأبناء شعبنا، سواء في المدارس أو الجامعات أو عبر وسائل الإعلام، فالعقول الحرة الواعية غذاؤها الصمود وسلاحها الصبر ومصيرها النصر.
_____________________________
باحث في تاريخ وآثار فلسطين.