أيها الإخوان الكرام، إن من المتفق عليه بين المسلمين الأولين كافة، أن السُّنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام هي المرجع الثاني والأخير في الشرع الإسلامي، في كل نواحي الحياة من أمور غيبية اعتقادية أو أحكام عملية، أو سياسية، أو تربوية وأنه لا يجوز مخالفتها في شيء من ذلك لرأي أو اجتهاد أو قياس كما قال الإمام الشافعي رحمه الله في آخر «الرسالة»: «لا يحل القياس والخبر موجود»، ومثله ما اشتهر عند المتأخرين من علماء الأصول: «إذا ورد الأثر بطل النظر»، «لا اجتهاد في مورد النص»، ومستندهم في ذلك الكتاب الكريم، والسُّنة المطهرة.
أما الكتاب ففيه آيات كثير، أجتزئ بذكر بعضها في هذه المقدمة على سبيل الذكرى، فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
– قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) (الأحزاب: 36).
– وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الحجرات: 1).
– وقال: (قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (آل عمران: 32).
إلى غير ذلك من الآيات المباركات.
الأحاديث الداعية إلى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء:
– عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قالوا: ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» (أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام).
– وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: «جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة، والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، فاضربوا له مثلاً، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيه مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها يفقهها، فقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا فالدار الجنة، والداعي محمد، فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس» (أخرجه البخاري).
– وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما (ما تمسكتم بهما) كتاب الله وسُنتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض» (أخرجه مالك مرسلاً، والحاكم مسنداً وصححه).
ما تدل عليه النصوص السابقة
وفي هذه النصوص من الآيات والأحاديث أمور مهمة جداً يمكن إجمالها فيما يلي:
1- أنه لا فرق بين قضاء الله وقضاء رسوله، وأن كلاً منهما ليس للمؤمن الخيرة في أن يخالفهما، وأن عصيان الرسول كعصيان الله تعالى، وأنه ضلال مبين.
2- أنه لا يجوز التقدم بين يدي الرسول كما لا يجوز التقدم بين يدي الله تعالى، وهو كناية عن عدم جواز مخالفة سُنته، قال الإمام ابن القيم في “إعلام الموقعين» (1/ 58): «أي لا تقولوا حتى يقول، وتأمروا حتى يأمر، ولا تفتوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمراً حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويمضي».
3- أن التولي عن طاعة الرسول إنما هو من شأن الكافرين.
4- أن المطيع للرسول مطيع لله تعالى.
5- وجوب الرد والرجوع عند التنازع والاختلاف في شيء من أمور الدين إلى الله وإلى الرسول.
6- أن الرضا بالتنازع، بترك الرجوع إلى السُّنة للخلاص من هذا التنازع سبب مهم في نظر الشرع لإخفاق المسلمين في جميع جهودهم، ولذهاب قوتهم وشوكتهم.
7- التحذير من مخالفة الرسول لما لها من العاقبة السيئة في الدنيا والآخرة.
8- استحقاق المخالفين لأمره الفتنة في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة.
9- وجوب الاستجابة لدعوة الرسول وأمره، وأنها سبب الحياة الطيبة، والسعادة في الدنيا والآخرة.
10- أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم سبب لدخول الجنة والفوز العظيم، وأن معصيته وتجاوز حدوده سبب لدخول النار والعذاب المهين.
11- أن من صفات المنافقين الذين يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر أنهم إذا دعوا إلى أن يتحاكموا إلى الرسول وإلى سنته، لا يستجيبون لذلك، بل يصدون عنه صدوداً.
12- وأن المؤمنين على خلاف المنافقين، فإنهم إذا دعوا إلى التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بادروا إلى الاستجابة لذلك، وقالوا بلسان حالهم وقالهم: «سمعنا وأطعنا»، وأنهم بذلك يصيرون مفلحين، ويكونون من الفائزين بجنات النعيم.
13- كل ما أمرنا به الرسول يجب علينا اتباعه فيه، كما يجب علينا أن ننتهي عن كل ما نهانا عنه.
14- أنه أسوتنا وقدوتنا في كل أمور ديننا إذا كنا ممن يرجو الله واليوم الآخر.
15- وأن كل ما نطق به رسول الله مما لا صلة بالدين والأمور الغيبية التي لا تعرف بالعقل ولا بالتجربة فهو وحي من الله إليه، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
16- وأن سُنته هي بيان لما أنزل إليه من القرآن.
17- وأن القرآن لا يغني عن السُّنة، بل هي مثله في وجوب الطاعة والاتباع، وأن المستغني به عنها مخالف للرسول عليه الصلاة والسلام غير مطيع له، فهو بذلك مخالف لما سبق من الآيات.
18- أن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله، وكذلك كل شيء جاء به رسول الله مما ليس في القرآن، فهو مثل ما لو جاء في القرآن لعموم قوله: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه».
19- أن العصمة من الانحراف والضلال إنما هو التمسك بالكتاب والسُّنة، وأن ذلك حكم مستمر إلى يوم القيامة، فلا يجوز التفريق بين كتاب الله وسُنة نبيه.
____________________
مقالات ومتفرقات للشيخ الألباني.