قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: والفرق بين الحمد والشكر أن الحمد يتضمن المدح والثناء على المحمود بذكر محاسنه سواء كان إحساناً إلى الحامد أو لم يكن، والشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور، فمن هذا الوجه الحمد أعم من الشكر؛ لأنه يكون على المحاسن والإحسان، فإن الله يحمد على ما له من الأسماء الحسنى، وما خلقه في الآخرة والأولى، ولهذا قال: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) (الإسراء 111)، وقال: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) (الأنعام: 1)، إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الشكر فإنه لا يكون إلا على الإنعام، فهو أخص من الحمد من هذا الوجه، لكنه يكون بالقلب واليد واللسان، ولهذا قال تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً) (سبأ: 13).
والحمد يكون بالقلب واللسان، فمن هذا الوجه الشكر أعم من جهة أنواعه، والحمد أعم من جهة أسبابه، وهذا الحمد هو ما قال عنه ربّ العزّة في وصف أهل الجنة: (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (يونس: 10)، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله» (قال الترمذي: حسن غريب)، وروى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنعم الله على عبد نعمة فقال: الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ»؛ أي أن إلهام الحمد وثوابه أفضل من النعمة الدنيوية؛ لأنه من الباقيات الصالحات.
وقال القرطبي في تفسيره وفي نوادر الأصول: عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن الدنيا بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال: الحمد لله لكان الحمد لله أفضل من ذلك»، قال القرطبي وغيره: أي لكان إلهامه الحمد لله أكثر نعمة عليه من نعم الدنيا لأن ثواب الحمد لله لا يفنى ونعيم الدنيا لا يبقى، قال الله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف: 46).
وفي سنن ابن ماجه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم أن عبداً من عباد الله قال: «يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فعضلت بالملكين فلم يدريا كيف يكتبانها فصعدا إلى الله فقالا: يا ربُّ إن عبداً قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله، وهو أعلم بما قال عبده، ماذا قال عبدي؟ قالا: يا رب إنه قال: لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها».
وعن جابر مرفوعاً: «أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله» (رواه الترمذي وحسنه)، والألف واللام في «الحمد» لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى كما جاء في الحديث: «اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله».