المُقَدَّس هو المطهَّر، كما قال صاحب «لسان العرب»، ومن هذا: الأرض المقدسة وبيت المقدس، والتَّقْدِيس هو: التطهير الإلهي المذكور في قوله: (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب: 33)، وقوله تعالى: (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) (البقرة: 30)؛ أي: نطهر الأشياء ارتساماً لك (طاعة لك)، وقيل: نُقَدِّسُكَ؛ أي: نَصِفُكَ بالتقديس، وقوله تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ) (النحل: 102)؛ يعني به جبريل عليه السلام من حيث إنه ينزل بِالقُدْسِ من الله تعالى؛ أي: بما يطهّر به نفوسنا من القرآن والحكمة والفيض الإلهي، والبيتُ المُقَدَّسُ هو المطهّر من النجاسة، والشرك، وكذلك الأرض المُقَدَّسَة، قال تعالى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ) (المائدة: 21).
والشيء عند المسلمين لا يكون مقدساً إلا باعتبار تقديس الله تعالى خالق الكون والعالم بحقيقة الأشياء ومكانتها، فما جعله الله من شعائره يقدسه ويعظمه المسلم، قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج: 32).
ومن المقدسات التي عظَّم الله تعالى شأنها الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكذلك المساجد والكتب المنزلة من عنده سبحانه وتعالى، ويرجع تقديس المسلمين لهذه المقدسات إلى أنها من شعائر الله تعالى التي أشعر بعظمة شأنها، والمقدسات عندنا نحن المسلمين توقيفية، فلا يُقدس المسلم شيئاً لم يُقدس في شرع الله تعالى مهما كان حال من يُقدسه.
وبالرغم من احترام المسلمين في العموم لمقدسات الآخرين، فإننا نجد غير المسلمين، خاصة في الغرب، بين الحين والحين يعتدون على مقدساتنا بصورة فجة متعللين بحرية الرأي والتعبير!
تاريخ طويل من إساءة الغرب لمقدسات المسلمين
بدأت إساءة الغرب إلى مقدساتنا بالإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم:
– ففي عام 2006م، نشرت صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية رسومات مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، ولجأ المسلمون في فرنسا للقضاء لتجريم هذا الفعل إلا أن المحكمة الفرنسية في عام 2007م رفضت تجريمه.
– وفي عام 2011م، نشرت الصحيفة ذاتها رسوماً أخرى تسيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي السنة التالية، قامت الصحيفة بإعادة نشر سلسلة من الرسوم المسيئة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
– لم تقف «شارلي إيبدو» عند هذا الحد من الإساءة؛ لكنها أعادت مرة أخرى نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في سبتمبر 2020م.
تأريخ الاعتداء على القرآن الكريم
– في عام 2005م: تعرض المصحف الشريف للتدنيس على أيدي محققين أمريكيين في معتقل جوانتانامو في كوبا.
– في مارس 2011م: أشرف القس الأمريكي «تيري جونز» على حرق نسخة من المصحف في كنيسة صغيرة بفلوريدا مدعياً أن المصحف مسؤول عن وقوع عدد كبير من الجرائم.
– في أبريل 2011م: اعتقلت الشرطة البريطانية «ساين أوينز»، المرشح عن الحزب اليميني المتطرف، بعد حرقه لنسخة من المصحف في حديقة منزله.
– في أبريل 2012م: أحرق القس الأمريكي «تيري جونز» نسخة من المصحف وبث المشهد عبر الإنترنت.
– في ديسمبر 2014م: أقدم شاب بريطاني على تمزيق نسخة مترجمة للإنجليزية من القرآن الكريم ووضعها في دورة المياه ثم حرقها، وأفرجت السلطات عنه بكفالة.
– في ديسمبر 2015م: هاجمت مجموعة من المتظاهرين قاعة صلاة للمسلمين في حي شعبي بجنوب فرنسا، وأحرقوا المصاحف وكتبوا عبارات معادية للعرب.
– في مارس 2019م: أقدم الدنماركي اليميني المتطرف «راسموس بالودان» على حرق نسخ من القرآن الكريم، بذريعة الاحتجاج على أداء صلاة الجمعة، أمام مبنى البرلمان الدنماركي.
– في يونيو 2019م: عثرت السلطات الألمانية على حوالي 50 مصحفاً ممزقاً داخل مسجد «الرحمة» وسط مدينة بريمن.
– في نوفمبر 2019م: نظمت مجموعة نرويجية معادية للإسلام تنتمي لحركة «أوقفوا أسلمة النرويج» مظاهرة رمت خلالها نسختين من القرآن الكريم في سلة قمامة، ثم أحرق «لارس تورسن»، زعيم المنظمة، نسخة أخرى.
– في أغسطس 2020م: قام 3 ناشطين في حزب «بالودان» الدنماركي بإحراق نسخة من القرآن في مدينة مالمو السويدية.
– في أبريل 2022م: قام «بالودان» بإحراق نسخة من القرآن الكريم في مدينة لينشوبينغ جنوبي السويد.
– في مايو 2022م: أقدم «بالودان» على إحراق المصحف الشريف أمام أحد المساجد بالسويد، إلا أن مجموعة من المسلمين عرقلته، مما دفعه إلى الهروب في سيارته.
– في يوليو 2022م: أحرق «لارس ثورن»، زعيم حركة «أوقفوا أسلمة النرويج» نسخة من المصحف الشريف في حي تعيش فيه جالية مسلمة كبيرة بضواحي العاصمة أوسلو.
– في يناير 2023م: أحرق «بالودان» نسخة من القرآن قرب سفارة تركيا بالعاصمة السويدية ستوكهولم.
– في يونيو 2023م: مزّق المتطرف «سلوان موميكا» من أصول عراقية نسخة من المصحف، وأضرم النار فيها عند مسجد ستوكهولم المركزي، بعد أن منحته الشرطة السويدية تصريحاً بتنظيم الاحتجاج إثر قرار قضائي.
– ولا ننسى جريمة «سلمان رشدي»، في عام 1988م، حيث نشر كتابه «آيات شيطانية» الذي انتهك فيه مقدسات المسلمين، وبدل أن يلقى «رشدي» العقاب المطلوب، وضعته الحكومة البريطانية تحت حماية الشرطة، وحصل على لقب «فارس» بأمر من ملكة بريطانيا «إليزابيث الثانية» عام 2007م!
الاعتداء على المسلمين
لم يكتف متطرفو الغرب بالاعتداء على المقدسات، بل تعدى ذلك إلى الاعتداء على المسلمين، وتم تسجيل الكثير من هذه الاعتداءات على مدار السنوات الماضية، كان من بينها:
– ما حدث في كندا عام 2013م: حيث تعرضت امرأة مسلمة مع أطفالها لهجوم في مركز تجاري من قبل شخص صاح بها قائلاً: «اتركي بلدنا، وعودي إلى بلدكِ».
– في سبتمبر 2013م، بكندا أيضاً، تعرضت فتاة مسلمة تبلغ من العمر 17 عاماً للضرب وتم نزع حجابها.
– في سبتمبر 2014م بكندا كذلك، تعرض 6 طلاب مسلمين في جامعة كوينز للهجوم من قبل 4 رجال، كان أحدهم يضرب بمضرب البيسبول.
– في الدنمارك عام 2008م: تعرض شاب مسلم يبلغ من العمر 16 عاماً لاعتداءات لفظية من قبل 3 دنماركيين ثم قاموا بضربه حتى الموت.
– في فرنسا عام 2008م: تم تدمير مسجد «السلام» بعد إشعال النيران فيه.
– في هولندا عام 2016م: ألقى 5 رجال قنبلتين مولوتوف على أحد المساجد وكان المصلون بداخله.
– في السويد عام 2014م: وقعت سلسلة من الحرائق المتعمدة على 3 مساجد خلال أسبوع واحد، كما تم تخريب بعض المساجد بالكتابات المعادية.
أكذوبة حرية التعبير
يبرر الغرب كل هذه الاعتداءات التي تمت على مقدساتنا بحرية التعبير، وهذا أمر ممجوج وكذب مفضوح؛ لأن حرية التعبير هذه تذهب إلى الجحيم عندما تُمس مصالحهم، ونحن نسأل هؤلاء: هل يستطيع أحد في بلادكم أن ينتقد المجازر الصهيونية بحق أطفال فلسطين، وكل ما يتعرض له الفلسطينيون من هدم البيوت، والإعدامات اليوميّة للشبّان في شوارع الضفة الغربيّة المحتلة؟!
وماذا فعلتم في «روجيه جارودي» عام 1998م عندما شكك فقط في محرقة اليهود في كتابه «الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل»؟ حكمتم عليه بالسجن مع أن الرجل كان يعبر عن رأيه، فأين حرية الرأي التي تتشدقون بها؟!
مقدسات المسلمين وعجز أبنائها
لا نستطيع أن ننكر أن المسلمين في عمومهم قد استنكروا هجوم الغرب على المقدسات، إلا أن هذا الاستنكار لم يكن بحجم الإساءة التي حدثت، ونحن نتساءل بدورنا: أين استنكارات الحكومات الإسلامية على مستوى العالم؟! وأين منظمة المؤتمر الإسلامي؟! ولماذا لم تعقد هذه المنظمة التي تمثل كل المسلمين مؤتمراً تندد فيه بهذه الإساءات، وتطالب العالم باحترام مقدسات المسلمين؟!