يُعد المحتوى الإباحي أحد أكثر أنواع المحتوى استهلاكًا على شبكة الإنترنت، إذ يقع ضحيته ملايين الأشخاص حول العالم يومياً، وتشير الدراسات إلى أن معدل استهلاكه آخذ في الازدياد، ما يقرع أجراس الإنذار بقوة، خاصة في ظل سهولة وصول هذا المحتوى إلى أبصار الأطفال والشباب، عبر تنامي أعداد منصات التواصل المتخصصة في مقاطع الفيديو القصيرة.
ورغم صعوبة تحديد البيانات الخاصة باستهلاك الإباحية بدقة بسبب طبيعة هذا المحتوى السري وغير القانوني في كثير من البلدان، فإن هناك بعض الدراسات والتقارير التي تقدم نظرة تقريبية حول واقع استهلاك الإباحية، ومنها تقرير نشره موقع «ستاتيستا» عام 2022م، أورد أن عدد زيارات مواقع الإباحية يفوق 10 مليارات زيارة شهريًا حول العالم.
وبحسب الإحصاء ذاته، فإن الولايات المتحدة تسجل أعلى نسبة استهلاك للإباحية بنسبة تصل إلى 35% من إجمالي زيارات المواقع الإباحية حول العالم، تليها المملكة المتحدة واليابان وفرنسا وإيطاليا والمكسيك وكندا وألمانيا والفلبين والبرازيل، على الترتيب.
مواقع الإباحية تستأثر بـ10 مليارات زيارة شهريًا
نلاحظ هنا أن قائمة الدول العشر تخلو من أي دولة عربية أو إسلامية، لكن ذلك لا يعني ابتعاد أخطار المحتوى الإباحي عن تلك الدول، خاصة أن الإحصاء ذاته يسجل دخول 3 دول عربية، هي مصر والسعودية والمغرب، قائمة أكثر 10 دول بحثاً عن المحتوى الإباحي، وإن لم تكن الأكثر استهلاكاً له.
وتوصل باحثون في معهد ماكس بلانك (مقره برلين)، في دراسة أجروها عام 2020م، إلى ارتباط وثيق بين الاستهلاك المرتفع للمواد الإباحية وقلة استجابة الدماغ للصور الإباحية التقليدية؛ ما يعني ميل مستهلكي المواد الإباحية تدريجياً إلى البحث عن محتوى غير تقليدي وأكثر تطرفًا.
وتُعدّ منصات مقاطع الفيديو القصيرة من بين أبرز شبكات تسهيل المحتوى الإباحي، إذ تتسامح غالباً مع مثل هذا المحتوى عبر ترك بعض الفجوات التي تمرر الإباحية للمستخدم، دون فرض سياسات محتوى أكثر صرامة، كتلك التي تفرضها منصة «يوتيوب»، بحسب الإحصاء.
ومن شأن انتشار المحتوى الإباحي أن يتسبب في تأثيرات سلبية على الأفراد والمجتمعات، من بينها: الإدمان الإلكتروني، وانخفاض الدافع الجنسي، والتسبب في مشكلات بالعلاقات الزوجية، والصحة النفسية، فضلاً عن انتشار العنف الجنسي، بحسب دراسة نشرها استشاري العلاقات الأسرية كيفن سكينر، عام 2018م.
كما ترتبط مشاهدة المواد الإباحية بضمور القشرة الجبهية للمخ، وهي منطقة الدماغ المسؤولة عن الوظائف التنفيذية كالأخلاق والإرادة والتحكم في الانفعالات.
الولايات المتحدة تسجل أعلى نسبة استهلاك للإباحية
وتقل هذه الآثار بشدة حال استخدام منصات المحتوى الرقمي ذات السياسات التي تحظر نشر وتوزيع المحتوى الإباحي، وتفرض عقوبات صارمة على المستخدمين الذين ينتهكون هذه القواعد، بما في ذلك حظر حساباتهم أو إزالة المحتوى الإباحي على الفور.
لكن منصات المقاطع القصيرة التي تتساهل في تقييد المحتوى الإباحي أصبحت منافسة بقوة لمنصات الفيديو التقليدية، بل وتتفوق عليها في بعض الدول، حتى أصبح استهلاك هذا المحتوى شاملاً لأكثر من 150 مليون شخص يوميًا، بحسب إحصاء «ستاتيستا».
ويصنف سكينر استهلاك المحتوى الإباحي عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى 4 مستويات؛ الأول يبدأ من «المشاركة في الإباحية»، وهي عملية أشبه بالنظر العشوائي الذي يتكرر مرتين أو ثلاثاً سنويًا فقط.
المستوى الثاني يتمثل في تكرار المشاهدة غير الاضطرارية بدافع الفضول لا أكثر، بحيث لا تتجاوز المشاهدة فيه مرة واحدة شهريًا.
أما مفترق الطرق، كما يصفه سكينر، فهو المستوى الثالث، الذي يتمثل في بدء الشخص في التفكير في المشاهدة المنتظمة للإباحية يومياً، واستسلامه لذلك، مع استمرار قدرته على التحكم في سلوكياته وتخيلاته.
3 دول عربية ضمن قائمة أكثر 10 دول بحثاً عن المحتوى الإباحي
وينتهي استهلاك المحتوى الإباحي بالشخص إلى المستوى الرابع، وهو حالة الإدمان الكاملة، بحيث ينغمس في الإباحية ويفكر بشكل كبير طوال اليوم في محتواها، ويطور من خيالاته الجنسية بشكل مستمر، ويشعر حينها باللذة عند المشاهدة، التي يصاحبها اختفاء أعراض القلق والحزن لديه؛ ما يعني «برمجته» على تقبل الإباحية كمشهد طبيعي.
ووفقاً لسكينر، تبدأ الحاجة إلى العلاج فور الوصول بمستهلك الإباحية إلى المستوى الرابع، وكلما كان أكثر انغماسًا في الإباحية كانت سرعة التوجه إلى العلاج مهمة وعاجلة.
وفي كتابهما «مصيدة الإباحية: الدليل الأساسي لتخطي مشكلات الإباحية»، يوصي لاري، ووندي مالتز المصاب بالإدمان الإباحي بتدوين كل ما تسببه الإباحية من مشكلات واستحضارها دائمًا أمام عينيه عبر وضع الورقة في مكان ملحوظ، ومصارحة صديق له بما تسببه لك الإباحية من أضرار.
وعبر الاستحضار الدائم لأخطار الإباحية بشكل بصري، يمكن للمبتلى بالإدمان أن يبدأ في استعادة الثقة في نفسه والتحكم في قراراته وانفعالاته بنجاح، كخطوة أولى في استعادة حياته بلا إباحية.
وبعد هذه الخطوة، يفضل دخول المبتلى بالإدمان الإباحي في برنامج علاجي مرتب، يتابع فيه مع شخص آخر الأداء اليومي في عملية العلاج، مع ضرورة توافر بيئة خالية من الإباحية للشخص الخاضع للعلاج، وأن يتخلص من كل المؤثرات والمحفزات التي قد تدفعه إلى مشاهدة الإباحية بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن يمارس الرياضة بشكل يومي، باعتبارها أبرز عوامل التخلص من أعراض الانسحاب النفسية والجسدية السلبية الناتجة عن التوقف عن استهلاك الإباحية.
النتائج التي سجلها الكتاب، تؤكد إمكانية علاج الاستهلاك الإباحي، حتى تلك التي بلغت حد الإدمان، وحينها يبدأ مستهلك الإباحية في استعادة القدرة على الشعور والاستمتاع بحياته مرة أخرى، وتعود تلك النتائج إلى حالات آلاف الذين نجحوا بالفعل في تجاوز أسر الشهوات الجنسية عبر برنامج علاجي، لكن تظل الوقاية دائماً خير من العلاج.