على مدار 5 ساعات متواصلة، حاول الكيان الصهيوني في اجتماع مطول له، الأحد الماضي، بحث تقديم تسهيلات اقتصادية سياسية للسلطة الفلسطينية بزعم منع انهيارها؛ ما اعتبره الفلسطينيون التزامات حقيقية على «تل أبيب» وليس منَّة من الكيان.
الحكومة الصهيونية المصغرة للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) عقدت أكثر من اجتماع، خلال الفترة الماضية، للحيلولة دون انهيار السلطة الفلسطينية، نتيجة لضغوط أمريكية مستمرة، خاصة مع توالي انعقاد اجتماعات صهيوأمريكية في «تل أبيب»، تخوفًا من سقوط أو إسقاط الرئيس محمود عباس.
والكيان حاول تخفيف القيود على السفر من وإلى مناطق الضفة الغربية للفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأمريكية، خضوعًا لضغوط إدارة بايدن، ستتبعها خطوات أخرى مماثلة، في محاولة لتمكين الصهاينة من دخول الولايات المتحدة دون تأشيرات.
حقل غاز «مارين» أمام قطاع غزة
من بين التسهيلات الصهيونية الأخرى المقدمة لتعزيز وتقوية السلطة الفلسطينية الموافقة على تطوير حقل غاز «مارين»، الواقع أمام شواطئ قطاع غزة، وإعادة بطاقات «VIP» المخصصة لشخصيات فلسطينية رفيعة المستوى، إلا أن المهم منها للمواطن الفلسطيني العادي هو عائدات الغاز الطبيعي على المدى القريب.
بوجه عام، التسهيلات الصهيونية المقدمة للسلطة الفلسطينية ترمي إلى مواجهة أزمة مالية طاحنة تمر بها رام الله، ما دفع بحكومة نتنياهو إلى تجميد الديون على السلطة لمدة عام، رغم أنها أموال فلسطينية مستحقة من الضرائب، في الأساس، ليُجبر بعدها رئيس الحكومة في السلطة محمد اشتية إلى توجيه انتقاد لاذع للكيان مطالبًا إياه بإعادة الأموال الفلسطينية المحتجزة لديه «أموال المقاصة» والمقدرة بمليار و600 مليون شيكل (الدولار الأمريكي = 3.65 شيكل «إسرائيلي») ثم وقف الاقتطاعات البالغة 300 مليون شيكل شهريًا، بزعم دفع رواتب عائلات الشهداء والأسرى.
منطقة صناعية في «ترقوميا» بالضفة الغربية
الإقرار الصهيوني الأخير هو عودة لنقطة الصفر مرة أخرى، خاصة لو قلنا: إن «تل أبيب» تقِّر، في جُل الاجتماعات الصهيونية، بإقامة منطقة صناعية في مدينة «ترقوميا» قرب الخليل بالضفة الغربية، فهي موافقة جديدة قديمة، جرى عرضها كأنها موافقة آنية، حيث تم الاتفاق على إقامتها في العام 2007م، بين «تل أبيب» وأنقرة والسلطة الفلسطينية، ولم تنفذ حتى الآن!
واقعيًا، تعلن «تل أبيب» عن تسهيلات هي في الأساس حقوق فلسطينية أصيلة، بناء ما جاء به اتفاق أوسلو في العام 1993م الذي يقضي بجمع الكيان الصهيوني للضرائب وتحويلها لوزارة المالية الفلسطينية، التي تبلغ مليار دولار سنويًا، وهو المبلغ الذي يمثل 60% من إجمالي الإيرادات العامة للحكومة الفلسطينية، يسرق منه الكيان أجزاء أخرى لتعويض عائلات القتلى الصهاينة الذين يسقطون في العمليات الفلسطينية الاستشهادية.
عملية «تل أبيب» الفدائية
الثابت أنه في مثل هذه الاجتماعات، يخرج ابن غفير، وزير الأمن القومي الصهيوني بتصريحات عنصرية، حيث تساءل عن توقيت تقديم تلك التسهيلات للسلطة الفلسطينية، في ظل استمرار موجة العمليات الفدائية في الداخل الصهيوني، خاصة وأن تصريحه جاء فور عملية «تل أبيب» الأخيرة، التي سقط فيها صهيوني قتيلاً وأصيب اثنان آخران.
والغريب أن نتنياهو علق على مقولة بن غفير بأنه على حكومته الصهيونية «تعزيز استقرار السلطة» باعتبارها جزءًا من الوعود التي قدمتها «تل أبيب» لواشنطن؛ ما يؤكد أن إدارة بايدن توظّف الأزمة الاقتصادية للسلطة لصالحها بالادعاء، دومًا، أنها تتدخل لصالح الشعب الفلسطيني، لتحسين الوضع الاجتماعي المتردي والحالة الاقتصادية السيئة، وذلك كله في سبيل قبول الفلسطينيين بالاحتلال الصهيوني واعتباره أمراً واقعاً.
انقسام صهيوني واضح
شهدت الاجتماعات السابقة لجلسة الأحد الماضي انقسامًا صهيونيًا واضحًا حيال تحويل أي أموال للسلطة، أو منح أي مزايا من الأساس لرام الله، رغم إيمان الصهاينة أنفسهم بأن بقاء السلطة يعني وضع «وتد» جديد للكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فكان طبيعيًا أن يقول تساحي هنغابي، مستشار الأمن القومي الصهيوني: إن وظيفة السلطة الفلسطينية الأساسية تتمثل في «محاربة المقاومة”»، بدعوى أن هناك اتفاقيات موقعة بين السلطة وبلاده تقضي بذلك، رغم أن «تل أبيب» لا ترغب في انهيار السلطة الفلسطينية بزعم أن لها وظيفة كبيرة من الناحية الأمنية، تلك المهمة التي تتأكد كلما اشتد عود المقاومة الفلسطينية في مدينتي جنين ونابلس، خاصة وأنهما شكلا هاجسًا حقيقيًا للمنظومة العسكرية الصهيونية، خلال الأشهر القليلة الماضية.
حكومة نتنياهو تؤمن بأن دعم السلطة وتعزيزها من شأنه فرض السيطرة على مناطق الضفة الغربية، ووأد فكرة المقاومة من الأساس، تخوفًا من امتداد قوة المقاومة الفلسطينية إلى باقي مناطق الضفة، إذ ينظر الكيان للسلطة على أن وظيفتها تكمن في «الحفاظ على الأمن في المناطق الفلسطينية وعدم تهديد الداخل الصهيوني» فحسب.