فن اللكم بالقبضة (الملاكمة القديمة أو العصرية) هو فن فطري، ليس وليد اليوم، ولا يقتصر على قُطْر معين، أو شعوب معينة، فهو فن موجود في كل حضارات ما قبل الميلاد وما بعده، يتطور حسب المتطلبات البيئية وحسب الحقبة الزمنية، وحسب الاحتياج كآلة حربية طبيعية في جسد الإنسان يقوم بتوظيفها لدفاعه عن نفسه، أو استخدامها في الاعتداء على الغير.
عندما نعود للتراث والآثار القديمة للحضارات اليونانية والسومرية والإغريقية والرومانية والبابلية والآشورية ومصر القديمة، وغيرها من الحضارات سنجد النقوش والنحوت على الجدران والأحجار الأخرى.
ثم إذا انتقلنا في حقب أخرى أحدث قليلاً كالحضارة الإسلامية، فرغم أن دول الخلافة ابتداء من الدولة الأموية وما بعدها لم يتم العثور على مخطوطات أو كتب دوّنت القتال غير المسلّح، وأقصد العاري الذي يعتمد على الصّراع واللكم، ويسمى اللكم في اللغة اللكز وهو الضرب بالجُمع في جميع جسد الخصم أو العدو، وقيل: هو الوجء بجميع اليد في الحنك.
إلا أنه تم العثور على العديد من المخطوطات والرسوم في حقبة المماليك، لجميع أنواع الفروسية والقتال، لكن في هذا المقال أريد أن أحدد موضوع «اللكم»، حيث إنه فن اعتنت به غالب الحضارات.
ففي حقبة عام 700هـ، كان العديد من الصالحين وأهل الورع والحكماء والملوك والسلاطين والأمراء قد اهتموا كثيراً بفن اللكم، حيث كان هناك حُذّاق ومتمرسون به، وكان من أهم أعمال الفروسية وفنون الحرب.
كما وقعت حوادث قتل من بعض المماليك، منها حادثة قتل الأمير يلبغا المجنون الأستادار عام 799هـ، حيث انهالوا عليه باللكمات وعرّوه من ثيابه وصُرع على الأرض حتى مات.
كذلك وقعت حوادث عديدة مشابهة لها.
كما اهتم المسلمون أيضاً بالتدرب عليها في تلك الحقبة، كتعلم المهارات وتقوية القبضة من خلال ضرب جماد (مخلاة) معلقة بالسقف.
وهذا لا يعني أن فن اللكم بالقبضة غير موجود في حقب دول الخلافة الإسلامية التي سبقت الدولة المملوكية، بل كان يُمارس، ولكن لم يدوّن أو يُكتب كما أشرنا سالفاً.
أما اليوم، فقد أصبح متداولاً كلعبة رياضية شعبية يستخدمها غالب شعوب العالم، وهي الملاكمة، والكيك بوكسنغ (أي ملاكمة الركل)، والساڤات (ملاكمة ركل بدأت عام 1800م)، والمواي تاي (الملاكمة التايلاندية)، وغيرها من الأساليب الشبيهة، وهي ألعاب حديثة أصبحت لها منظمات ومؤسسات واتحادات رياضية حكومية وأهلية تعتني بالتدريب والمنافسات.