في ظل عمليات تهويد واعتداءات مكثفة على المسجد الأقصى المبارك، تحل الذكرى الـ54 لجريمة إحراق «الأقصى» في القدس المحتلة، التي وقعت في 21 أغسطس عام 1969م، على يد الإرهابي الصهيوني الأسترالي «دنيس مايكل روهان»، وبتنسيق كامل مع قوات الاحتلال الصهيوني، وقد أتت النيران على أجزاء كبيرة من المسجد، ودمرت الكثير من الكنوز الدينية والتاريخية والحضارية، وقامت سلطات الاحتلال بقطع الماء عن المصلى القبلي ومحيطه، ومنع فرق الإطفاء والإسعاف من الوصول إليه وحاصرت محيط المسجد بمئات الجنود، وذلك لضمان انتشار واسع للحريق لتدمير كل مكونات المسجد، بينما هب الفلسطينيون والمرابطون من كل القرى والأحياء القريبة إلى إخماد النيران بملابسهم والتراب والمياه الموجودة في آبار «الأقصى»، وكالعادة، ومع كل جريمة، ادعى الاحتلال الصهيوني أن «روهان» مختل عقلياً، وتم ترحيله إلى أستراليا.
ورغم إخماد الحريق حينها، فإنه ما زال مشتعلاً في «الأقصى» ولكن بأشكال مختلفة بهدف الاستيلاء عليه، وإقامة ما يسمى «الهيكل المزعوم».
وقد أصبح العدوان على المقدسات الإسلامية سمة يومية، في الوقت الذي يواصل فيه الصهاينة جرائمهم ضد أهلنا في القدس؛ من مصادرة الأملاك، وهدم البيوت، وتشريد العائلات في العراء، وعمليات تفريغ القدس من سكانها، مع استمرار مشروع تهويدها، حتى يتم تأميمها بالكامل لصالحهم، ومحو أي أثر للإسلام أو المسلمين هناك.
لقد أكمل الصهاينة مخططهم الكبير في السيطرة على «الأقصى» من تحت الأرض باستكمال أضخم شبكة للأنفاق تحت جدرانه، ثم استكملوا حصاره من كل الجهات، واليوم يواصلون اقتحاماتهم تمهيداً للسيطرة على ساحاته ومصلاه، ومحاولة اقتسامه مثلما حدث مع المسجد الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل؛ حيث قسموا ساحاته مقتطعين الجزء الأكبر منها لليهود.
إن الأرض المباركة -وفي قلبها القدس- تنادي كل مسلم، بل كل حرٍّ شريف أن يقف وقفة مع نفسه ومع الآخرين متسائلاً: ماذا فعلتُ لإنقاذ القدس وفلسطين؟ وهذا المسجد المبارك، أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستصرخ كل مسلم ليقف مع نفسه وقفة صريحة ليسأل: ماذا قدمتُ لتحرير «الأقصى» من الأسْر بل لإنقاذه من المحاولات المستميتة الرامية لتصديع أركانه تمهيداً لهدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه؟ إن أول واجبات الفرد أن يدرك أبعاد هذه القضية، وأن يسترجع تاريخ تلك المدينة المقدسة.
فليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها مدينة القدس للاحتلال أو يتعرض المسجد الأقصى للتدنيس والحصار، فقد احتلها الصليبيون مائتي عام، خاضوا خلالها في دماء المسلمين، وقتلوا في القدس وحدها حوالي 70 ألفاً، والسبب -رغم تفوق المسلمين وقتها حضارياً وعلمياً- كان التشرذم والصراعات السياسية والحروب الداخلية، حتى قام البطل المسلم الكردي صلاح الدين الأيوبي بتحريرها، ودخل المسجد متواضعاً خاشعاً لله تعالى، في 27 رجب 583هـ/ 2 أكتوبر 1187م.
وقد استمر الحكم الإسلامي لفلسطين نحواً من 1200 سنة، منذ الفتح (27 جمادى الأولى 13هـ/ 30 يوليو 634م) حتى عام 1917م، حين دنسها اللورد «اللنبي» بقواته بعد احتلال بريطانيا لفلسطين، وقال قولته الشهيرة أمام قبر صلاح الدين في دمشق: «ها قد عدنا يا صلاح الدين»! ومن يومها ما زال الاحتلال جاثماً عليها، ولن يعيدها إلى حضن الإسلام مرة أخرى إلا جهاد الشعوب العربية والإسلامية.
إن الخطر على المسجد الأقصى يتزايد، فعلى العرب والمسلمين أن يستيقظوا من ثباتهم، ويهبوا للدفاع عن مسجدهم وعن مقدساتهم في فلسطين.
إننا نناشد العالم الإسلامي؛ حكومات وشعوباً، وكل التجمعات والجماعات والقوى في العالم الإسلامي والعالم الحر، أن تتحرك وتنتفض انتفاضة شاملة لإنقاذ «الأقصى»، ولكبح الصهاينة المجرمين عن المضي في مخططهم للاستيلاء على المسجد، وإلا فإن أنَّات هذا المسجد الأسير وشكواه إلى الله تعالى ستتحول إلى لعنات على القاعدين والمنهزمين والمتباطئين.
أما المسجد فسيظل شامخاً بإذن الله تعالى؛ لأن له رباً يحميه، ولأن هناك مجاهدين رجالاً ونساء نذروا أنفسهم للدفاع عنه بأرواحهم، ولن يتركوه نهباً للصهاينة حتى آخر قطرة من دمائهم، وسيظل جهاد هؤلاء حجة على كل عربي ومسلم متقاعس.
إن الأمل اليوم صار منعقداً بعد الله سبحانه وتعالى على أولئك المجاهدين الذين يقومون بحراسة «الأقصى» بصدورهم وأجسادهم، ويذهبون شهداء في سبيل حمايته، ومن خلفهم كل الشعوب العربية والإسلامية، وكما التف المسلمون المجاهدون يوماً حول صلاح الدين وفتحوا معه القدس، سيواصلون اليوم الالتفاف حول راية المقاومة حتى يتم فتحها مرة أخرى، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.