يحيي سوريون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، الاثنين، الذكرى العاشرة للهجوم بغاز السارين في الغوطة الشرقية قرب دمشق، الذي اتهم النظام بتنفيده وأودى بحياة أكثر من 1400 شخص.
ونظّم أهالي الضحايا وناشطون ومسعفون تجمعات منذ مساء الأحد في مناطق عدة في شمال وشمال غرب سوريا، لإحياء ذكرى الهجوم الذي ينفي النظام السوري أي تورّط بشأنه.
وشارك عدد من الناجين ذكرياتهم الأليمة، في عفرين بشمال سوريا، بينما جسّدت مسرحية للأطفال المأساة التي طبعت ذلك اليوم.
وفي 21 أغسطس 2013، وقع هجوم بغاز السارين في الغوطة الشرقية ومعضمية الشام (الغوطة الغربية)، أبرز معاقل الفصائل المعارضة آنذاك قرب العاصمة، واتهمت المعارضة النظام السوري بتنفيذه.
وتمّ التداول على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام والأسابيع اللاحقة بعشرات مقاطع الفيديو لجثث أطفال ونساء ورجال صدمت العالم، وأكدّ ناشطون أن عائلات بكاملها قضت.
https://twitter.com/Omar_Madaniah/status/1693234015082369181?s=20
الغوطة الشرقية في مثل هذا اليوم قبل 10 سنوات ارتكب نظام الاسد هذه المجزرة باستخدام الاسلحة الكيماوية. فخرج بطل قومي و محارب للارهاب في نظر العرب و الغرب#لا_تخنقوا_الحقيقة #كيماوي_الأسد #مجزرة_الكيماوي #الغوطة_الشرقية pic.twitter.com/rpTOMQGvTB
— Mahmoud Assalih (@AssalihMahmoud) August 21, 2023
وفي نهاية أغسطس من ذلك العام، أعلنت الولايات المتحدة أنها على “قناعة قوية” بأن النظام مسؤول عن الهجوم الذي أوقع 1429 قتيلا، بينهم 426 طفلا.
وفي 16 سبتمبر، نشرت الأمم المتحدة تقريرا لخبرائها الذين حققوا في الهجوم، يتضمن “أدلة واضحة” على استخدام غاز السارين.
وكان الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، اعتبر في تصريحات في بداية الحرب السورية أن استخدام الأسلحة الكيماوية “خط أحمر”، وكان على وشك شنّ ضربات عقابية ضد دمشق، لكنه تراجع. وأبرمت بلاده في سبتمبر من العام ذاته، اتفاقاً مع روسيا بشأن تفكيك الترسانة الكيماوية السورية.
أدلة حاسمة.. ولكن
وفي تقريرها الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية يوم 24 أغسطس 2022، أكدت واشنطن بشكل قاطع مسؤولية النظام عن هذه المجزرة.
حدد التقرير أسماء 3 ضباط من بين آخرين شاركوا في تنفيذها، وهم العميد جودت صليبي مواس، آمر لواء الصواريخ 155 من مواليد ريف حمص عام 1954؛ العميد عدنان عبود الحلوة، نائب مدير إدارة المدفعية والصواريخ بوزارة الدفاع من مواليد ريف جبلة عام 1957؛ اللواء غسان أحمد غنام، قائد اللواء 155 حرس جمهوري.
هؤلاء الثلاثة قال عنهم التقرير الذي اعتمد على أدلة وشهادات، إنهم نفّذوا الهجوم الكيماوي المرعب عام 2013، ما أدى إلى مجزرة ترقى إلى مستوى جريمة حرب، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تواصل دعم جهود الكشف عن المجرمين وتقديمهم للعدالة.
في اليوم نفسه الذي صدر تقرير الخارجية الأمريكية، قدّم الأرشيف السوري والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير إلى سلطات التحقيق والادّعاء في كل من ألمانيا والسويد وفرنسا، معلومات إضافية متعلّقة بهجمات الكيماوي التي ارتكبها النظام السوري في غوطة دمشق عام 2013، وكذلك في خان شيخون جنوبي إدلب عام 2017.
تؤكد هذه المؤسسات، وغيرها من مراكز ومنظمات العمل الحقوقي السورية وغير السورية أيضًا، أنها تمتلك ما يكفي من الأدلة لتحميل نظام الأسد مسؤولية هذا الهجوم ومئات الهجمات الأخرى بالسلاح الكيماوي وقعت قبل مجزرة الغوطة الشرقية وبعدها، لكن دون أن يسهم ذلك في جعل مجلس الأمن الدولي يفعّل بنود القرار رقم 2118 الذي صدر في منتصف سبتمبر/أيلول عام 2015.
كما قدمت وكالة الاستخبارات الألمانية تقريرًا قبل سنوات، جاء فيه أنها رصدت اتصالًا جرى بين مسؤول كبير من “حزب الله” والسفارة الإيرانية في بيروت، أشار خلاله مسؤول الحزب إلى مسؤولية بشار الأسد عن الهجوم، وإلى أنه كان يعيش وقتًا عصيبًا جدًّا حينها دفعه إلى الموافقة على هذا العمل.
من جانبها، نشرت صحيفة “الغارديان” بتاريخ 3 سبتمبر/ أيلول 2013 تقريرًا استخباراتيًّا فرنسيًّا أكّد أن قوات النظام هي المسؤولة عن الهجوم، حيث التقرير الفرنسي تضمّن صورًا تظهر انطلاق صواريخ من مواقع قوات النظام، و47 تصوير فيديو وضعها الناشطون وتحقق أطباء فرنسيون من صحتها.
ويبدو أن الدور الروسي المعيق في مجلس الأمن نجح حتى الآن في تقديم الحماية لبشار الأسد ونظامه، بل في عرقلة عملية التحقيق الدولي حول المجزرة، بينما أثبتت تقارير اللجان الأممية المختصة مسؤولية هذا النظام عن تتفيذ هجمات كيماوية أخرى، أدّت إلى سقوط عدد كبير من الضحايا في دوما وسراقب وخان شيخون وغيرها، لكن دون أخذ نتائج هذه التقارير بعين الاعتبار من قبل مجلس الأمن أو المحاكم الدولية، الأمر الذي يزيد من انعدام ثقة السوريين بهذه المؤسسات، ويعزز قناعتهم بأن المسؤولين لن ينجوا من العقاب وحسب، بل سيتم إعادة تأهليهم إذا ما بقيت الأمور تسير على هذا النحو.
وبعد مرور السنوات يستعيد المسعف محمّد سليمان، ابن بلدة زملكا في الغوطة، الذي فقد 5 من أفراد عائلته، تفاصيل يوم الهجوم.
وقال لفرانس برس “حوالى الساعة الثانية والنصف تقريبا، جاءتنا إشارة عبر الأجهزة اللاسلكية عن وقوع قصف كيماوي في مدينة زملكا، توجهت إلى المكان (..) وجدت عدداً كبيراً من المصابين والشهداء، كأنه يوم القيامة، مشهد لا يوصف”.
ويضيف “شمّمت رائحة الموت، قمت بنقل الجثث (…) إلى مركز طبي قريب من منزلي”، مشيرا الى أنه كان يلفّ وجهه بوشاح لحماية نفسه من تنشّق الغاز.
ويروي أنه بعدما توجّه إلى منزل عائلته، لم يجد أحداً. في هذه الأثناء، طُلب من جميع السكان إخلاء المنطقة، ودخل المسعفون الذين يرتدون ألبسة وقائية فقط.
لكنه واصل مع شقيقه البحث عن عائلته، “في مركز طبي قريب من المنزل، وجدتُ أبي وسكانا من الحي وقد وضعت على جثثهم أرقام من دون اسماء، أذكر أن رقم أبي كان 95. وضعت الأسماء على الجثث التي تعرفّت عليها من سكان الحي”.
وتبيّن لاحقا أن شقيقه وزوجة شقيقه الآخر مع اثنين من أولادها، قضوا في الهجوم.
وتابع “حفرنا مقبرة جماعية تتسّع لمئات الاشخاص، وقمنا بدفن الجثث قرب بعضها، يفصل بين الواحد والأخرى حوالى 5 سنتيمترات”.
وقال سليمان “نتمنى من دول العالم إنصافنا.. فهي تستطيع أن تحاسب” المسؤولين عن الهجوم، مضيفا “نرجو من الله أن يأخذ حقّ الناس الأبرياء”.
ورغم تأكيد دمشق تسليمها مخزونها من الأسلحة الكيماوية، تكرّرت بعد ذلك الاتهامات الموجهة اليها بشنّ هجمات كيماوية.
وتشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعاً دامياً تسبّب بمقتل أكثر من نصف مليون شخص، وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتية، وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين داخل البلاد وخارجها.