تجلس “نور خاتون” أمام خيمتها التي تصطف بجانب عشرات الخيام في طريق متعرج بمخيم “نويا فارا” بمنطقة كوكس بازار في بنجلاديش، وتتأمل بنظرها وطنها أراكان في ميانمار الذي يقع على الضفة الأخرى من نهر ناف، وبات كل ما يربطها بهذا الوطن مجرد نظرة حسرة من بعيد.
الـ 25 من أغسطس عام 2017 .. ذكرى تهجير أكثر من مليون من مسلمي #الروهينغا فما القصة؟ 📺 pic.twitter.com/nwpBSjsZOV
— المجتمع (@mugtama) August 25, 2023
على هذه الحال تعيش “نور خاتون” ومثلها أكثر من مليون من المسلمين الروهنجيا الذين تم تشريدهم قسرا من وطنهم قبل 6 سنوات في الحملة العسكرية التي شنها جيش ميانمار في 25 أغسطس عام 2017.
وأنا أتأمل صورتها، تخيلت لو أني سألتها عن حالها فتنظر دون أن تتكلم لكنها بصمتها تنبئك بكل معاني الألم والحسرة، ثم تدير نظرها بعيدا عنك تتجه به إلى نهر ناف، ولسان حالها يقول: “يكفيك أن تمر بنهر “ناف” يخبرك بما يكفي من الوجع، فكم من حفاة عبروه هربًا من الموت في وطن “ميانمار” لم يسمح لهم حتى أن يحملوا اسمه فنزع عنهم المواطنة وكأنها منحة تُعطى وتُمنع، وصولا إلى الضفة الأخرى “بنجلاديش” التي بلغوها بشق الأنفس إلى شبه حياة في رحلة قطعوها وهنا على وهن، حتى وجدوا أنفسهم أكواما فوق بعضهم يتكئون على خيام هشة في الجهة الأخرى من الوطن يقتاتون كسرة الخبز ويتجرعون ذل الشتات.
وبالأمس كنت أتحدث إلى صديقي “سليم خان” وهو شاب روهنجي من أبناء مخيمات الشتات، يهوى التصوير رغم تواضع هاتفه، سألته: كيف يعيش الناس في المخيمات بعد 6 سنوات من التهجير القسري من أراكان.؟
سكت قليلا ثم قال: نحن بحاجة إلى الكثير من المساعدات، فحياة اللاجئين في المخيمات صعبة بلاشك ورغم تواضعها الشديد، تخيل أن مجرد حريق يندلع في المخيم يأتي على ما لديك من فتات وكأنه يستكثر عليك حتى الخيمة المصنوعة من الخيزران والبلاستيك.
وأضاف: نواجه الكثير من التحديات بخصوص الغذاء والمساعدات، فسابقا كان برنامج الأغذية العالم يخصص لكل لاجئ مخصصات بقيمة 12 دولار شهريا، ثم انخفض المبلغ إلى 10 دولارات، ثم انخفض مجددا إلى 8 دولارات، كيف يمكن أن يعيش إنسان لمدة شهر بهذا المبلغ 8 دولارات فقط.!
Monthly WFP ration for the #Rohingya per person $8. The ration for a person for a full month in photo.
1.Rice 13kg (611tk, $5.7)
2.Veg Oil 1kg (178tk, $1.7)
3.Salt 500g (19tk, $0.2)
4.Dry Chilli 150g (49tk,$0.4)
Total (856Tk,$8).
Feel the situation of Rohingya refugees! pic.twitter.com/BM1VdMeVv6— Abdul Wajed (@Abdul_Wajed_642) August 24, 2023
ورغم إمكانياتنا المحدودة، نحاول أن نتعايش في هذا الواقع البائس خاصة في ظل غياب أي بصيص من الأمل يبشر بالعودة للوطن، نحاول أن نهتم بالأجيال الصغيرة من أطفالنا من خلال رعايتهم في مدارس متواضعة من الخيزران نعلمهم فيها القراءة والقرآن الكريم، ونحن نأمل أن يحظوا بحياة على الأقل خالية من القتل والتهجير القسري من وطنهم.
رغم قسوة اللجوء وحياة المهمشين لكن تبقى للعيد فرحته في مخيمات الروهنجيا
Eid from Rohingya camps #EidAlFitr #EidAlFitr2023 #EidUlFitr #عيد_الفطر #عيد_الفطر_المبارك #عيد_فطر_مبارك #Rohingya pic.twitter.com/OVDKwtPFbc— Mohamed Sarhan (@sarhan3mo) April 22, 2023
بالعودة إلى بداية رحلة التهجير الأخيرة للروهنجيا قبل 6 سنوات، وتحديدا في أغسطس 2017، كانت هناك لجنة استشارية شكلتها حكومة ميانمار آنذاك برئاسة الأمين العام السابق للأمم المتحدة “كوفي عنان” مهمتها تقديم الاستشارات والمقترحات والتوصيات لحل أزمة إقليم أراكان، كانت قد بدأت عملها في سبتمبر 2016 وسلمت تقريرها للحكومة حينها برئاسة “أونج سان سوتشي” مستشارة الدولة في 23 أغسطس 2017.
وتضمن التقرير العديد من التوصيات من بينها مراجعة قانون المواطنة الذي جرى إصداره عام 1982 والذي بموجبه تم تجريد المسلمين الروهنجيا من المواطنة واعتبارهم مهاجرين غير شرعيين وافدين من بنجلاديش.
وبخصوص مخيمات النازحين الروهنجيا طالبت اللجنة بإعادة هؤلاء إلى قراهم، وقالت إن استمرار هذه المخيمات يعني استمرار تهجير الروهنجيا من مناطقهم وهو ما يعني استمرار غياب حل للقضية، وطالب كذلك برفع القيود عن حرية تنقل الروهنجيا والسماح لهم بالحركة والتنقل، إذا يعيش الروهنجيا في الداخل في مخيمات محاطة بأسلاك شائكة، بزعم حمايتهم ولكنها في الحقيقة كان الغرض منها تقييد حركتهم.
وشمل التوصيات أيضا حينها السماح لوسائل الإعلام بدخول أراكان ونقل الصورة الحقيقية للعالم، وفتح الباب أمام دخول المساعدات الإنسانية للروهنجيا الذين يعيشون وضعا إنسانيا صعبا، ووقف عزل الروهنجيا عن بقية المجتمع ووقف الانتهاكات الحاصلة بحقهم، وأشار التقرير إلى أن استخدام قوات الجيش القوة المفرطة ضد المسلمين الروهنجيا يعزز من تفاقم الأزمة.
المفاجئ في الأمر أنه بعد تسليم التقرير بيومين فقط وبدلا من أن تأخذ حكومة ميانمار بهذه التوصيات، فوجئ الروهنجيون في إقليم أراكان بحملة عسكرية تم على إثرها تهجير نحو مليون شخص منهم غير القتلى.
مؤشر المذابح
يمكن أن نعتبر أن عام 1942 هو البداية الحقيقية لمأساة المسلمين الروهنجيا، إذ بدأ حينها خط المذابح بحقهم، وتعرضوا لعمليات اضطهاد واسعة نتج عنها موجات فرار جماعي متكررة بعشرات ومئات الآلاف منها أبرزها وقعت في سنوات “1962، 1978، 1988، 1991، 2012، 2016، 2017).
التجريد من المواطنة
وفي عام 1982 جرى إصدار قانون، تم بموجبه تجريد الروهنجيا من حق المواطنة – رغم امتلاكهم وثائق رسمية – واعتبارهم مهاجرين من بنجلاديش.
ومنذ أغسطس2017 يعيش نحو مليون روهنجي في مخيمات بمنطقة كوكس بازار في بنجلاديش، في ظل واقع إنساني ومعيشي متردي، في وضع هش ولا تبدو في الأفق بوادر للعودة، وكما يحتفظ الفلسطينيون في الشتات بمفاتيح بيوتهم القديمة، يبقى المسلمون الروهنجيا معلقين بحبال الحياة بين معاناة الشتات وآمال العودة.