يعد الإمام جين بياو (إسماعيل) أحد أشهر الأئمة في الصين عامة وفي الشمال الغربي خاصة، له دور ديني واجتماعي ووطني بارز، وهو يشغل منصب نائب رئيس الجمعية الإسلامية بمقاطعة تشينغهاي، وإمام مسجد دونغقوان العريق بمقاطعة تشينغهاي شمال غرب الصين أحد أكبر وأشهر مساجدها.
سيرة ومسيرة
اسمه جين بياو (إسماعيل مسعود)، ولد عام 1966م، في مدينة شينينغ حاضرة مقاطعة تشينغهاي بشمال غرب الصين لأسرة مسلمة.
تلقى تعليمه العام في المدارس الحكومية، وتعليمه الديني على يد والده، وبعد أن أنهى المرحلة الثانوية، اتجه لدراسة العلوم الإسلامية في مدرسة مسجد دونغقوان العريق على يد الإمام ما شيانغ تشن (محمد).
وفي عام 1988م، سافر إلى مصر لإكمال دراسته في جامعة الأزهر، فالتحق أولاً بمعهد البعوث الإسلامية، ثم انتقل بعدها إلى كلية الشريعة، ثم أكمل الدراسات العليا بالكلية بقسم أصول الفقه.
من خطبة عيد الأضحى 2023 للشيخ جين بياو "إسماعيل" في مسجد دونغقوان الكبير في مقاطعة تشينغهاي شمال غرب الصين وفي الأعياد يحضر بالمسجد نحو 300 ألف مصل#صباح_الخير pic.twitter.com/gnK4q19vSb
— Mohamed Sarhan (@sarhan3mo) August 27, 2023
قضى الإمام جين 9 سنوات في مصر، تخرج بعدها وحصل على شهادته الجامعية الأزهرية في حفل حضره شيخ الأزهر عام 1997م، عاد بعدها إلى الصين ليتولى مهمة الإمامة في أحد مساجد مقاطعة تشينغهاي.
عن هذه الفترة يقول: «عندما كنت تلميذاً مبتدئاً في مسجد دونغقوان، غرست في قلبي نية الدراسة في الدول العربية وخاصة مصر، فبذلت قصارى جهدي وسهرت الليالي؛ لأجل تحقيق أملي حتى وفقني الله لذلك عام 1988م، ومنذ وصولي إلى مصر والتحاقي بالدراسة في الأزهر، انتابني حنين بالغ إلى وطني وأهلي وأسرتي في وقت كانت الاتصالات فيه تتم بالوسائل التقليدية عن طريق البريد، وكانت الرسائل تستغرق نصف شهر على الأقل ذهاباً والرد يأتي بعد شهر وأكثر، كنت أشعر بالوحدة وبالحنين الشديد إلى الأهل، لكن كان لديّ هدف أسعى لتحقيقه، فكان هذا دافعاً لي على الصبر والتحمل، كنا نسكن في البناية رقم (17) بمدينة البعوث، وكانت المدينة تضم آلافاً من الطلاب الوافدين من كل قارات العالم باختلاف ألوانهم وألسنتهم، يعيشون معاً ويدرسون ويلعبون، فنشأت بيننا أواصر المحبة والصداقة والألفة، وطابت لنا الحياة في مصر حتى أتممت دراستي وعدت إلى بلدي».
العمل الجاد
عمل الإمام جين بياو في عدد من مساجد مقاطعة تشينغهاي ذات الـ1331 مسجداً، حيث كان يقوم بالإمامة والتدريس للطلاب في المدارس المسجدية، وقضى سنوات إماماً لمسجد «نانقوان» (المسجد الجنوبي) -تسمى معظم المساجد في الصين حسب موقعها الجغرافي شمالاً أو جنوباً شرقاً أو غرباً- قام خلالها بدور ديني واجتماعي بارز في أوساط المسلمين في تشينغهاي، وفي عام 2020م وبدعوة من لجنة شؤون المساجد، تولى إمامة مسجد «بيقوان» (المسجد الشمالي)، وهو أحد أكبر المساجد في مقاطعة تشينغهاي، تأسس في عصر أسرة مينغ الإمبراطورية (1386 – 1644م)، حيث كُلف بمهمة توجه وإرشاد أئمة المساجد في الأداء المهني، والتوعية بأهمية تطبيق تعاليم الإسلام في التسامح والعفو والأخوة والتعاون.
عن هذا يقول: تعتبر مقاطعة تشينغهاي موطناً لعدد كبير من المسلمين من مختلف القوميات، كما يعيش بها كثير من أبناء قومية التبت من معتنقي البوذية إلى جانب أبناء قومية هان (الصينيون الأصليون)، لذا فالوضع الديني في المقاطعة متشابك بعض الشيء ويحتاج لسياسة دينية حكيمة.
أما بالنسبة لنا نحن، فالمسلمون يتعايشون مع غيرهم من أبناء القوميات والأديان تعايشاً أخوياً منذ قديم الزمان، والتاريخ يحمل قصصاً لا تعد في هذا المجال.
وأكمل يقول: بالنسبة لي شخصياً، وبفضل المعرفة الوسطية التي تعلمتها من الثقافتين الإسلامية والصينية، لم أتوقف عن التفكير وتطبيق التقارب بين الإسلام والكونفوشية على أساس توارث الكنوز الفكرية من العلماء المسلمين الصينيين منذ مئات السنين، وبذلت جهداً كبيراً بهدف تعزيز التناغم والتعارف بين المسلمين وغيرهم بأساليب مختلفة، منها على سبيل المثال:
– إعداد الأئمة الجدد، فخلال خمسة وعشرين عاماً قضيتها في الإمامة، تخرج على يدي مئات الأئمة من الشباب المسلمين يتميزون بحب الدين وحب الوطن معاً.
– التقريب بين الثقافتين الصينية والإسلامية من خلال إلقاء الخطب وكتابة ونشر المقالات في الصحف والمجلات.
كما نقلت ديوان الإمام الشافعي للغة الصينية وطبع بدار الشعب بمقاطعة تشينغهاي قبل سنوات.
منتدى التعارف بين مختلف الأديان
خلال عمله في مسجد بيقوان، دعا الإمام جين بياو لتأسيس «قاعة التعارف» في المسجد عملاً بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات: 13)، حيث دعا غير المسلمين من القوميات والأديان الأخرى لتعريفهم بالإسلام وبثقافة القوميات المسلمة وعاداتهم وتقاليدهم، وكذلك التعرف على ثقافات القوميات والأديان الأخرى، تحت رعاية وإشراف الأجهزة الحكومية.
وقد عُقدت الدورة الأولى للملتقى العلمي عام 2021م تحت عنوان «آراء الأديان حول الحضارة البيئية الطبيعية»، ثم أقيمت الدورة الثانية للملتقى في صيف العام الماضي 2022م تحت عنوان «تبادل وجهات النظر الدينية وتعزيز وعي مجتمع الأمة الصينية».
دور اجتماعي بارز
رغم أعبائه ومشاغله الدينية والرسمية، لم ينس الإمام جين بياو دوره الاجتماعي بوصفه شخصية دينية مرموقة في مقاطعة تشينغهاي، فهو يحرص على زيارة كبار السن ومن أحيلوا إلى سن المعاش من المسلمين وغير المسلمين، ممن كانت لهم أدوار ومساهمات بارزة في المجتمع، يحرص على زيارتهم والتردد عليهم وتقديم الهدايا الرمزية، تقديراً لجهودهم السابقة ودورهم البارز في المجتمع، وتأكيداً على أنهم ما زلوا في القلب والعين، وما زال هناك من يتذكرهم ويذكر فضلهم ومساهماتهم.
وتقديراً لجهود الشيخ جين بياو، تم تكليفه مطلع هذا العام (2023م) بتولي إمامة مسجد دونغقوان الكبير في تشينغهاي، وهو منصب ديني رفيع المستوى.