إِنَّ أَنِينَ تُرَاثِنَا يَسْمَعُهُ أَهْلُ اَلصَّنْعَةِ مِنْ اَلْمُحَقِّقِينَ وَالدَّارِسِينَ، فَهُنَاكَ آلَافُ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ اَلْمَخْطُوطَاتِ فِي شَتَّى اَلْعُلُومِ مِنْ ثَمَرَاتِ اَلْحَضَارَةِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ وَهِيَ تَشْكُو اَلْإِهْمَالَ وَالْهَجْرَ وَيَزْدَادُ اَلْأَلَمُ حِينَمَا نَعْرِفُ أَنَّ جُزْءًا مِنْهَا غَيْرُ قَلِيلٍ تَمَّ سَرِقَتَهُ وَلَيْسَ فِي أَيْدِينَا ، وَجُزْءَ آخَر لَمْ يُفَهْرِسْ فَضْلاً عَنْ عَدَمِ تَحْقِيقِهَ أَوْ نَشْرِهَ، أَوْ نَشْرِ نشرة مُشَوَّهَةً .
وَمِنْ هَذَا اَلتُّرَاثِ اَلتُّرَاثِ اَلْوَقْفِيِّ اَلْمُتَمَثِّلِ فِي اَلْوَقْفِيَّاتِ (صُكُوكُ اَلْوَقْفِ أَوْ عُقُودِهِ أُوحَجِجَهْ وَوَثَائِقُهُ ) وَهُوَ تُرَاثٌ يُمَثِّلُ رَقْمًا صَعْبًا مُنْتَشِر كَانْتِشَارِ اَلْمَخْطُوطَاتِ فِي دَوْرِ اَلْمَخْطُوطَاتِ وَخَزَائِنِهَا وَفِي اَلْمَكْتَبَاتِ اَلْمَحَلِّيَّةِ وَالدَّوْلِيَّةِ وَهُوَ يُمَثِّلُ ثَرْوَةً لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ .
وَقَدْ اِرْتَكَزَتْ اَلْحَضَارَةُ اَلْإِسْلَامِيَّةُ عَلَى اَلْأَوْقَافِ بِاعْتِبَارِهَا مَصْدَرًا لِلتَّمْوِيلِ اَلْحَضَارِيِّ عَبْرَ اَلْعُصُورِ وَكَانَ اَلْإِنْتَاجُ اَلْحَضَارِيُّ – عَلَى عَظَمَتِهِ- مُرْتَبِطًا بِالْأَوْقَافِ فِي مُخْتَلِفِ وُجُوهِ حَرَكَةِ اَلتَّحَضُّرِ اَلْإِسْلَامِيِّ ، وَقَدْ كَانَ مِنْ اَلضَّمَانَاتِ اَلْمُهِمَّةِ تَوْثِيقَ هَذِهِ اَلْأَوْقَافِ لِحِمَايَةِ هَذِهِ اَلْأَوْقَافِ وَإِحَاطَتِهَا بِالرِّعَايَةِ اَلْقَانُونِيَّةِ فِي نِظَامِ اَلْقَضَاءِ اَلْإِسْلَامِيِّ عَبْرَ اَلْعُصُورِ ، وَقَدْ اِعْتَمَدَ اَلْقُضَاةُ عَلَى هَذِهِ اَلْوَثَائِقِ لِإِثْبَاتِ اَلْحُقُوقِ وَمَنْعِ اَلْعُدْوَانِ فَهَذِهِ اَلْوَثَائِقُ كَانَتْ تُمَثِّلُ اَلْإِطَارَ اَلْإِدَارِيَّ وَالتَّنْظِيمِيَّ بِمُرَاعَاةِ شُرُوطِ اَلْوَاقِفِينَ وَوُصُولِ رَيْعِهَا إِلَى اَلْمُسْتَحِقِّينَ حَتَّى أَصْبَحَ بَقَاءَ هَذِهِ اَلْأَوْقَافِ- بِأَعْيَانِهَا وَمَجَالَاتِهَا وَشُرُوطِ وَاقْفِيهَا وَأَصْنَافَ مُسْتَحِقِّيهَا – مَرْهُونًا بِبَقَاءِ هَذِهِ اَلْوَثَائِقِ اَلَّتِي هِيَ اَلضَّمَانُ وَالْمَرْجِعُ كُلَّمَا اِقْتَضَتْ اَلضَّرُورَةُ بِسَبَبِ مَا يَعْرِضُ مِنْ حِينٍ لِآخَرَ مِنْ ضَيَاعِ اَلْأَوْقَافِ بِسَبَبِ اَلتَّعَمُّدِ وَالِاعْتِدَاءِ.
وَتُعْتَبَرَ اَلْوَثَائِقُ أَحَدَ أَهَمِّ أَدَوَاتِ كِتَابَةِ اَلتَّارِيخِ . . لِذَلِكَ تَحْظَى دَوْرَ اَلْوَثَائِقِ بِأَهَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ لِمَا تَمْلِكُهُ مِنْ كُنُوزٍ وَثَائِقِيَّةٍ ، لَا تُسَاهِمُ فَقَطْ فِي رَسْمِ صُورَةِ اَلْمَاضِي وَلَكِنَّهَا أَيْضًا تَحَدَّدَ مَلَامِحَ اَلْمُسْتَقْبَلِ بِمَا تَمْلِكُهُ مِنْ تُرَاثٍ وَثَائِقِيٍّ يُؤَرَّخُ لِحُقُوقٍ سِيَاسِيَّةٍ وَاقَتَصَايَّة وَتَارِيخِيَّةٌ لِلدُّوَلِ وَلِلشُّعُوبِ .
وَالدَّارِسَ لِتَارِيخِ اَلْأَوْقَافِ وَلِمَسَائِلِهِ وَمَجَالَاتهَ يَصِلُ لِنَتِيجَةِ مُؤَدَّاهَا أَنَّ اَلتَّعَدِّيَ عَلَى أَعْيَانِ اَلْأَوْقَافِ وَاغْتِصَابِهَا وَطَمْسِ مَعَالِمِهَا كَمَا وَقَعَ عَلَى اَلْمُنْشَآِتِ وَالْمَرَافِقِ اَلْوَقْفِيَّةِ وَقَعَ عَلَى اَلْوَثَائِقِ وَالْحُجَجِ اَلَّتِي تُثْبِتُهَا وَتَعَرَّفَ بِهَا وبَمُسْتَحَقِيهَا وَتَعَرَّفَ بَمْجَالِتْهَا ، فَالْعُدْوَانُ وَقَعَ عَلَى أَعْيَانِ اَلْوَقْفِ كَمَا وَقَعَ عَلَى جَمِيعِ وَسَائِلِ إِثْبَاتِهِ فِي اَلْغَالِبِ .
فَإِنَّنَا نَجِدُ فِي بَعْضِ اَلْأَحْيَانِ أَنَّهُ لَا وَسِيلَةً لِإِثْبَاتِ اَلْوَقْفِ إِلَّا بَالَتَسَامَعْ وَالِاشْتِهَارُ ، أَوْ اَلنُّحُوتْ وَالنُّقُوشُ اَلَّتِي تَكْتُبُ مُصَاحِبَةً لِلْوَقْفِ ، وَهَذِهِ اَلنُّحُوتْ وَالنُّقُوشُ هِيَ اَلْوَسِيلَةُ اَلَّتِي لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا اَلنَّاسُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مُهِمًّا بَلَغَتْ دَرَجَاتِ اَلتَّطَوُّرِ وَآلِيَّاتِ اَلتَّوْثِيقِ .
وَلَا نَشُكُّ لَحْظَةٌ أَنَّ مُصَارِعَ اَلْمُعْتَدِينَ عَلَى اَلْأَوْقَافِ تَطَابُقَ مُصَارِعِ اَلْمُعْتَدِينَ عَلَيْهَا بَلْ إِنَّ عُقُوبَةَ طَامِسٍ اَلْوَثَائِقِ وَمُتْلِفهَا أَشَدّ مِنْ عُقُوبَةِ اَلْمُعْتَدِي عَلَى اَلْأَوْقَافِ وَمُغْتَصِبِهَا لِأَنَّ اَلْعُدْوَانَ عَلَى أَعْيَانِ اَلْأَوْقَافِ قَدْ يَنْتَهِي بِرَدِّهَا عَنْ طَرِيقِ اَلْقَضَاءِ بِإِثْبَاتٍ وَقَفَّيْتُهَا أُمًّا وَقَدْ ضَاعَ مَا يُثْبِتُهَا فَقَدْ ضَاعَ اَلْوَقْفُ لِلْأَبَدِ فِي عُدْوَانٍ صَارِخٍ عَلَى مَالِ اَللَّهِ وَعَمَلِ اَلْأُمَّةِ اَلصَّالِحِ اَلْمَظْهَرِ لَخِيرِيتَهَا وَتَكَافُلُهَا .
وَالْوَقْفُ إِن خَرِبَ أَوْ تعطًّل يَأْتِي يَوْم يُصْبِحُ بعْدُهَا عَامِرًا وَمُثْمِرًا لَكِنْ إِنْ ضَاعَتْ وَثِيقَتُهُ ضَاعَتْ عَيْنُهُ وَأَصْلُهُ وَضَاعَتْ منفعته وثَمَرَتُهُ .
واتلاف حجة الوقف أو إخفائها استهانة بنص الشارع وعدم تعظيمه بالعدوان على “مال الله” وتبديل لشرط الواقف ومشقة على الخلق بل هي غلظة لا رفق فيه.
وَلِأَنَّ اَلشَّرِيعَةَ اَلْإِسْلَامِيَّةَ :«مَبْنَاهَا وَأَسَاسُهَا عَلَى الْحِكَمِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَهِيَ عَدْلٌ كُلُّهَا، وَرَحْمَةٌ كُلُّهَا، وَمَصَالِحُ كُلُّهَا، وَحِكْمَةٌ كُلُّهَا؛ فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنْ الْعَدْلِ إلَى الْجَوْرِ،وَعَنْ الرَّحْمَةِ إلَى ضِدِّهَا، وَعَنْ الْمَصْلَحَةِ إلَى الْمَفْسَدَةِ، وَعَنْ الْحِكْمَةِ إلَى الْعْبثِ؛ فَلَيْسَتْ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ أُدْخِلَتْ فِيهَا بِالتَّأْوِيلِ؛ فَالشَّرِيعَةُ عَدْلُ اللَّهِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَرَحْمَتُهُ بَيْنَ خَلْقِهِ، وَظِلُّهُ فِي أَرْضِهِ، وَحِكْمَتُهُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ وَعَلَى صِدْقِ رَسُولِهِ r أَتَمَّ دَلَالَةً وَأَصْدَقُهَا»([1]).
لَذَّا نَجِد شُرُوطُ اَلْوَاقِفِ اَلَّتِي يَجِبُ اَلِالْتِزَامُ بِهَا إِلَّا إِذَا كَانَ اَلشَّرْطُ فِيهِ اَلْإِثْمُ وَالظُّلْمُ وَالْإِجْحَافُ أَوْ كَانَتْ اَلشُّرُوطُ بَاطِلَةً ، أَوْ فَاسِدَةٍ ، أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَعُدْ صَالِحَةً ، أَوْ وَجَدَتْ مُسَوِّغَاتٍ لِمُخَالَفَتِهَا ؛ حَتَّى قال الفقهاء: أَنَّ شَرْطَ اَلْوَاقِفِ كَنَصِّ اَلشَّارِعِ ؛ حَثًّا مِنْهُمْ لِلْوَاقِفِ بِالْإِقْدَامِ عَلَى اَلْوَقْفِ ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ إِرَادَتَهُ مُحْتَرَمَةً ، وَأَنَّ شُرُوطَهُ مَصُونَةٌ حَتَّى بَعْدِ مَوْتِهِ ، لقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}(سورة البقرة، آية 181)
وَقَدْ مَنَحَ اَللَّهُ تَعَالَى اَلْإِنْسَان اَلْحَقِّ فِي اَلتَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِ بِمَا يَنْفَعُ دِينُهُ وَدُنْيَاهُ وَآخِرَتُهُ مَا دَامَ لَا يَتَعَارَضُ مَعَ نَصٍّ شَرْعِيٍّ ثَابِتٍ صَرِيحٍ وَلَا يُخَالِفُ مَقَاصِدَ اَلشَّرِيعَةِ .
وَقَدْ اِنْطَلَقَ اَلْفُقَهَاءُ مِنْ اَلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي تَوْسِعَتهَمْ لِشُرُوطِ اَلْوَاقِفِ مِنْ كَوْنِ اَلْوَقْفِ مِنْ اَلْإِحْسَانِ اَلَّذِي لَا قُيُود عَلَيْهِ إِلَّا قَيْدُ اَلْعِصْيَانِ»([2]).
وَقَدْ عَدَّ اَلْعَلَّامَةُ اِبْنْ حَجَرْ اَلْهَيْتَمِي مُخَالَفَةَ شَرْطِ اَلْوَاقِفِ مِنْ اَلْكَبَائِرِ حَيْثُ قَالَ:(الْكَبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ: مُخَالَفَةُ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَذِكْرِي لِهَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَكْلُ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَهُوَ كَبِيرَةٌ»([3]).
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُخَالَفَةَ اَلشَّرْطِ تَعْنِي أَنَّ هُنَاكَ وَقْفٌ وَشَرْطٌ نَصَّتْ عَلَيْهِ”اَلْوَثِيقَةُ أَوْ اَلْوَقْفِيَّةِ أَوْ اَلصَّكِّ” فَإِذَا كَانَتْ مُجَرَّدَ اَلْمُخَالَفَةِ كَبِيرَةً لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ لِأَكْلِ أَمْوَالِ اَلنَّاسِ بِالْبَاطِلِ ، فَإِنَّ إِتْلَافَ اَلْوَثِيقَةِ أُوتَضِيعَهَا أَوْ إِخْفَائِهَا مِنْ أَكْبَرِ اَلْكَبَائِرِ فَإِنَّهُ فَضْلاً عَنْ ضَيَاعٍ عَيَّنَ اَلْوَقْفُ وَتَوَقُّفُ رَيْعِهِ وَنَقَلَ مِلْكِيَّتَهُ لِمُغْتَصِبَةٍ يُكَوِّن ضَيَاعُ حُقُوقِ اَلْمُنْتَفِعِينَ بِهِ وَالْمُسْتَفِيدِينَ مِنْهُ فَهُوَ أَكْلٌ لِأَمْوَالِ اَلنَّاسِ بِالْبَاطِلِ بِضَيَاعِ أَصْلِ اَلْوَقْفِ إِضَافَةً إِلَى مَنْعِ وُصُولِ مَنَافِعِهِ بِاسْتِيلَاءِ اَلْغَيْرِ عَلَيْهِ .
أَسْبَابُ ضَيَاعِ اَلْوَقْفِيَّاتِ:
قَدْ يَكُونُ سَبَبُ ضَيَاعِ حُجَجِ اَلْأَوْقَافِ أَوْ وَثَائِقِهَا هُوَ اَلْإِهْمَالُ أَوْ اَلنِّسْيَانِ ، وَقَدْ يَكُونُ اَلْبَغْيُ وَالْعُدْوَانُ ، وَقَدْ يَكُونُ بِأَسْبَابِ قَهْرِيَّةٍ كَالْجَوَائِحِ مِنْ سُيُولٍ وَزَلَازِلَ وَبَرَاكِينَ أَوْ حَرَائِقَ أَوْ حُرُوبٍ . لَكِنْ يَبْقَى أَشُدُّهَا وَأَعْظَمَهَا هُوَ تَعَمُّدُ اَلْإِتْلَافِ أَوْ تَعَمُّدِ اَلطَّمْسِ وَالْإِخْفَاءِ .
وَضَيَاعَ هَذِهِ اَلْحُجَجِ وَالصُّكُوكِ وَالْوَثَائِقِ فَضْلاً عَنْ كَوْنِهِ اِعْتِدَاءً وَضَيَاع لِأَعْيَانِ اَلْوَقْفِ وَمَنَافِعِهِ وَرَيْعِهِ فَإِنَّهُ تَشْوِيهٌ لِلتَّارِيخِ وَطَمْسٍ لِلْمَاضِي وَضَيَاعٍ لِثَرْوَةٍ كَاشِفَةٍ وَوَاصِفَةٍ لِتَارِيخِنَا وَتُرَاثِنَا فِي كُلِّ مَجَالْاتَهْ اَلِاقْتِصَادِيَّةَ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ وَالتَّارِيخِيَّةِ . بَلْ وَضَياعٌ لِثَرْوَةٍ أَدَبِيَّةٍ فِي أَنْمَاطِ اَلْكِتَابَةِ وَالْأَسَالِيبِ وَطُرُقِ اَلتَّوْثِيقِ اَلْقَدِيمِ مِنْهَا وَالْمُسْتَحْدَثَ مِنْ شُرُوطٍ وَمِنْ مَنَافِعَ وَقُيُودٍ وَمَجَالَاتٍ ، وَكَذَلِكَ اَلْمُصْطَلَحَاتُ وَتَطَوُّرُهَا وَدَلَالَاتُهَا .
هَذَا فَضْلاً عَنْ اَلْحُقُوقِ اَلْقَضَائِيَّةِ بِذَهَابِ ثَرْوَةٍ فِي اَلْأَعْيَانِ وَفِي اَلْوَثَائِقِ لَا تُقَدَّرُ بِالْأَثْمَانِ وَلَا تُعَوِّضُ عَلَى مَرِّ اَلْأَزْمَانِ . وَمِنْ اَلْمُلَاحَظِ أَنَّ اَلْغَالِبَ فِي خِتَامِ صَكِّ اَلْوَقْفِ وَوَثَائِقِ اَلْأَوْقَافِ وَحُجَجِهَا ، وُجُودُ هَذِهِ اَلْعِبَارَةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا : « وَصَارَتْ هَذِهِ صَدَقَةٌ مَاضِيَةٌ صَافِيَةٌ . . وَلَا يَحُلُّ لِأَحَدِ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ اَلْآخِرِ مِنْ اَلْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ تَبْدِيلَ شَرْطِ مِنْ شُرُوطِهَا وَلَا تَغْيِيرَ شَيْءِ مِنْهَا وَلَا تَعْطِيلُهَا :{فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين»([4]).
وَفِي بَعْضِهَا تُخْتَم بِالدُّعَاءِ عَلَى مَنْ بَدْلَةِ فَفِي وَقْفٍ «اَلسُّلْطَانِيِّ اَلْمَلَكِيِّ اَلْمَنْصُورِي اَلصَّالِحِيّ جَاءَ اَلنَّصُّ عَلَى مَا يَلِي:”…وَأَوْقَافُهُ نِعْمَةً مُسْتَمِرَّةً عَلَى اَلدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ ، لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهَا وَلَا يَنْدُرْسْ رَسْمُهَا وَلَعْنَةُ اَللَّهِ عَلَى مَنْ يَسْعَى فِي تَبْدِيلِهِ أَوْ إِبْطَالِهِ»([5])
وَهَذِهِ اَلْآيَةُ لَا تُفَارِقُ –غَالِبًا- خِتَامُ حُجَجِ اَلْأَوْقَافِ وَوَثَائِقِهَا، وَهِيَ تُفِيدُ وُجُوبَ اَلْعَمَلِ بِشَرْطِ اَلْوَاقِفِ مِنْ وَصْفٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ إِطْلَاقٍ أَوْ جِهَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَلَا يَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إِلَى رَأْيِ اَلنَّاظِرِ ، بَلْ إِلَى مَا شَرْطُ اَلْوَاقِفِ ، فَيَعْمَلُ بِهِ بِشَرْطِ أَلَّا يُخَالِفَ اَلشَّرْعُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي اَلْوَصِيَّةِ: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، فَبَيْنَ اَللَّهِ تَعَالَى أَنْ مِنْ بَدَلِ اَلشَّرْطِ اَلَّذِي اِشْتَرَطَهُ فِي نَقْلِ مُلْكِهِ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَعَلَيْهِ اَلْإِثْمُ ، وَهَدَّدَ مِنْ اَلتَّبْدِيلِ بِقَوْلِهِ:{إِنَّ اَللَّهَ سَمِيعْ عَلِيمٍ} ، وَمِنْ اَلسَّنَةِ أَنَّ عُمَرْ t اِشْتَرَطَ فِي إِيقَافِهِ فِي خَيْبَرِ شُرُوطًا ، وَلَوْلَا أَنَّهُ يَجِبُ تَنْفِيذُهَا لَكَانَ اِشْتِرَاطُهُ لَهَا لَا فَائِدَةً مِنْهُ . وَالْوَاقِفَ أَخْرَجَ مُلْكُهُ عَنْ هَذَا اَلْمَوْقُوفِ عَلَى وَصْفٍ مُعَيَّنٍ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَجَاوَزَ بِهِ إِلَى غَيْرِهِ .
وَعَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرَ اَلْوَقْفِ أَوْ شُرْطَةٍ مِنْ فَاضِلْ إِلَى مَفْضُولٍ ؛ فَإِنَّ فِي هَذَا تَعَدِّيًا عَلَى اَلْوَاقِفِ ، وَعَلَى اَلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مِنْ اَلنَّاظِرِ اِعْتَبَرَ قَادِحًا فِي أَمَانَتِهِ ، وَمُوجَبًا لِعَزْلِهِ ؛ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ اَلنَّاظِرَ مُقَيَّدٌ تَصَرُّفَهُ بِالْمَصْلَحَةِ . قَالَ تَعَالَى :{ يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَوْفَوْا بِالْعُقُودِ } . وَقَالَ U فِي اَلْوَصِيَّةِ :{ فَمِنْ بَدَلِهِ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمهُ عَلَى اَلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنْ اَللَّهُ سَمِيعْ عَلِيمٍ } ، وَالتَّبْدِيلُ كَمَا يَشْمَلُ اَلْإِنْكَارُ يَشْمَلُ اَلتَّغْيِيرُ بِالنَّقْصِ ، وَالنَّقْصُ قَدْ يَكُونُ نَقْصًا مِنْ اَلْعَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ نَقْصًا بِالصِّفَةِ ، كَمَا لَوْ غَيْرِهَا مِنْ فَاضِلْ إِلَى مَفْضُولٍ . فَدَلَّتْ اَلْآيَةُ عَلَى وُجُوبِ اَلْعَمَلِ بِوَصِيَّةِ اَلْمُوصِي عَلَى حَسَبِ مَا أَوْصَى ، وَكَذَلِكَ وُجُوبُ اَلْعَمَلِ بِشَرْطِ اَلْوَاقِفِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِثْمًا وَذَلِكَ يَعْنِي بَذْلَ اَلِاحْتِيَاطَاتِ اَلْكَامِلَةِ لِلْحِفَاظِ عَلَى اَلْوَقْفِ أَصْلاً ، وَغَلَّةٌ ، وَصَرْفًا عَلَى اَلْجِهَاتِ اَلْخَيْرِيَّةِ اَلْمُعَيَّنَةِ فِي وَثِيقَةِ اَلْوَقْفِ اِسْتِمْرَارًا لِجَرَيَانِ اَلصَّدَقَةِ لِلْوَاقِفِ ، فَكُلُّ مُخَالَفَةٍ ، أَوْ مُجَاوَزَةٍ ، أَوْ تَهَاوُنٍ فِي شُؤُونِ اَلْأَوْقَافِ فَالْمَسْؤُولِيَّة عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى اَلنَّاظِرِ عَلَى اَلْوَقْفِ ، وَتَمْتَدَّ اَلْمَسْؤُولِيَّةُ إِلَى اَلْحَاكِمِ اَلشَّرْعِيِّ فِي حَالَةِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ ، قَالَ تَعَالَى : { فَمِنْ بَدَلِهِ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمهُ عَلَى اَلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنْ اَللَّهُ سَمِيعْ عَلِيمٍ } ، وَالتَّجَاوُزُ فِي اَلْمُخَالَفَةِ فِي مَعْنَى اَلتَّبْدِيلِ ([6]).
عُقُوبَةٌ مُسْتَحِقَّةٍ:
اَلتَّبْدِيلِ اَلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي اَلْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي جُزْءِ يَخُصُّ اَلْوَصِيَّةَ أَوْ اَلْوَقْفِ سَوَاءُ أَكَانَ بِوَصْفٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ . وَأَمَّا حَجْبُ اَلْحُجَجِ وَالصُّكُوكِ وَالْوَثَائِقِ أَوْ إِتْلَافِهَا أَوْ إِهْمَالِهَا لَيْسَ لَهُ مُسَمًّى إِلَّا ” اَلْعُدْوَانُ” و “أَكْلَ أَمْوَالِ اَلنَّاسِ بِالْبَاطِلِ” و ” كِتْمَانَ اَلْعَلَمِ ” وَأَكْلٍ لِأَمْوَالِ اَلنَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَصَدٍّ عَنْ سَبِيلِ اَللَّهِ ” وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ هَؤُلَاءِ اَلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ لِكِتْمَانِهِمْ وَإِخْفَائِهِمْ وَإِتْلَافَهُمْ لِمَا هُوَ مُوَافِقٌ لِشَرْعِ اَللَّهِ فِي اِمْتِثَالِ اَلْأَمْرِ بِتْحَبِيسْ اَلْأَصْلُ وَتَسْبِيلُ اَلثَّمَرَةِ: ﵟإِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌﵞ [البقرة: 174]. وَهُوَ فِي غَالِبِهِ يَقَعُ مِنْ وُلَاةِ اَلْأَوْقَافِ وَعَدَمِ مُرَاقَبَتِهِمْ مِنْ وُلَاةِ اَلْأَمْرِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَسْتَبْعِدُ أَنْ يَدْخُلَ هَؤُلَاءِ اَلْمُضِيعُونَ اَلْمُهْمَلُونَ فِي اَلْوَعِيدِ اَلْوَارِدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:ﵟ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖﵞ [التوبة: 34].
وَغَيَّرَ خَافَ أَنَّ ضَيَّعَ حُجَجَ اَلْوَقْفِ وَبِالتَّالِي ضَيَاعُ عَيْنِهِ وَأَصْلِهِ وَرِيعِيَّهْ هُوَ ضَيَاعٌ لِحُقُوقِ اَلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَاَللَّهِ تَعَالَى يَقُولُ :ﵟإِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا ﵞ [النساء: 10].
بَلْ إِنَّ ضَيَاع عَيَّنَ اَلْوَقْفُ بِضَيَاعِ مَايِثْبِتَهْ هُوَ عَيْنُ اَلْمَشَقَّةِ عَلَى خَلْقِ اَللَّهِ وَقَدْ جَرَتْ اَلسَّنَةُ اَلْإِلَهِيَّةُ وَالْعَادَةُ اَلتَّارِيخِيَّةُ بِأَنَّ اَلظَّالِمَ فِي وِلَايَتِهِ يَتَلَبَّسُ بِأَنْوَاعِ اَلْمَظَالِمِ وَاَلَّتِي تَجْلِبُ اَلْمَشَقَّةُ عَلَى اَلْخُلُقِ تَقَعُ عَلَيْهِ اَلْمَشَقَّةُ بِقَدْرِ اَلْخَالِقِ وَقُدْرَتِهِ جَزَاءً وِفَاقًا ، وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ دُعَاءِ اَلنَّبِيِّ r: «اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَشُقَّ عَلَيْهِ»([7])..
قَالَ اَلْمَنَاوِي وغيره:«وَهَذَا دُعَاءَ مُجَابٍ ، وَقَضِيَّتُهُ لَا يَشُكُّ فِي حَقِيقَتِهَا عَاقِلٌ وَلَا يَرْتَابُ ، فَقَلَّمَا تَرَى ذَا وِلَايَةِ عَسْفٍ وَجَارٍ وَعَامِلِ عِيَالِ اَللَّهِ بِالْعُتُوِّ وَالِاسْتِكْبَارِ، وَإِلَّا كَانَ آخِرٌ أَمْرهُ اَلْوَبَالَ وَانْعِكَاسَ اَلْأَحْوَالِ . فَإِنَّ لَمْ يُعَاقِبْ بِذَلِكَ فِي اَلدُّنْيَا قَصَّرَتْ مُدَّتُهُ ، وَعَجَّلَ بِرُوحِهِ إِلَى بِئْسَ اَلْمُسْتَقِرُّ سَقَر ، وَلِهَذَا قَالُوا :” اَلظُّلْمُ لَا يَدُومُ ، وَأَنَّ دَامَ دَمَّرَ ، وَالْعَدْلُ لَا يَدُومُ وَأَنَّ دَامَ عُمَرْ ” وَهَذَا كَمَا تَرَى أَبْلَغَ زَجْرٌ عَنْ اَلْمَشَقَّةِ عَلَى اَلنَّاسِ وَأَعْظَمَ حَثَّ عَلَى اَلرِّفْقِ بِهُمْ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَى ذَلِكَ اَلْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ . وَقَدْ اُسْتُجِيبَ فَلَا يَرَى ذُو وِلَايَةِ ظُلْمٍ وَجَارٍ إِلَّا وَعَاقِبَةُ أَمْرِهِ اَلْبَوَارَ وَالْخسَارْ .
وَفِي اَلْحَدِيثِ : اَلتَّنْبِيهُ لِوُلَاةِ اَلْأُمُورِ عَلَى اَلسَّعْيِ فِي مَصَالِحِ اَلرَّعِيَّةِ ، وَالْجُهْدُ فِي دَفْعِ ضَرَرِهِمْ ، وَمَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ، وَعَدَمَ اَلْغَفْلَةِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ . وَهَذَا مِنْ أَبْلَغَ اَلزَّوَاجِرَ عَنْ اَلْمَشَقَّةِ عَلَى اَلنَّاسِ وَأَعْظَمِ اَلْحَثِّ عَلَى اَلرِّفْقِ بِهُمْ ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ اَلْأَحَادِيثُ فِي هَذَا اَلْمَعْنَى ، وَهُوَ مِنْ أَبْلَغَ مَا أَظْهَرَ ? مِنْ اَلرَّأْفَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالْمَرْحَمَةِ عَلَى أُمَّتِهِ ، فَنَقُولُ بِلِسَانِ اَلْحَالِ : اَللَّهُمَّ ! هَذَا أَوَانَ أَنْ تَرْحَمَ عَلَى أُمَّةِ حَبِيبِكَ وَتَرَأَّفَ بِهُمْ ، وَتُنَجِّيْهُمْ مِنْ اَلْكَرْبِ اَلْعَظِيمِ اَلَّذِي هُمْ فِيهِ ، يَا مِنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ اَلْعَظِيمُ اَلْحَلِيمْ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ رَبُّ اَلْعَرْشِ اَلْعَظِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ رَبُّ اَلسَّمَوَاتِ وَرَبِّ اَلْأَرْضِ رَبَّ اَلْعَرْشِ اَلْكَرِيمِ)([8]).
وَأَمَّا إِذَا كَانَ تُضَيِّعُهَا بِتَضْيِيعِ حَقِّ اَلْأُمَّةِ فِيهَا لِصَالِحِ عَدُوّهَا فَهَذِهِ خِيَانَةٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٢٧ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ ٢٨ﵞ [الأنفال: 27-28]
إِنَّ اَلْحِفَاظَ عَلَى اَلْوَثَائِقِ وَالْمَخْطُوطَاتِ وَالصُّوكْ وَالْوَقْفِيَّاتُ هُوَ حِفَاظٌ عَلَى ذَاكِرَةِ اَلْأُمَّةِ وَتُرَاثِهَا وَمِيرَاثِهَا وَثَرَوَاتِهَا وَهُوَ وَاجِبُ اَلْأُمَّةِ كَافَّةً .
كَمَا يَجِبُ جَمْعَ مَا تَنَاثَرَ مِنْ اَلتُّرَاثِ وَالْوَثَائِقِ مِمَّا تُفَرِّقُ دَمَهُ فِي قَبَائِلِ اَلْخَزَائِنِ وَالْمَكْتَبَاتِ.
وَإِنَّ إِخْفَاءَ هَذِهِ اَلثَّرْوَةِ أَوْ تَعْرِيضِهَا لِلتَّلَفِ أَوْ إِهْمَالِهَا وَالتَّقْصِيرُ فِي حِفْظِهَا عَنْ عَمْدٍ هُوَ عَيْنُ اَلتَّبْدِيلِ اَلْمُتَوَعَّدِ عَلَيْهِ بِالْإِثْمِ ( فَإِنَّمَا إِثْمهُ عَلَى اَلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) وَهُوَ سَبَبٌ فِي أَكْلِ أَمْوَالِ اَلنَّاسِ بِالْبَاطِلِ مَعَ كَوْنِهِ سَبَب مُبَاشِرٍ فِي حِرْمَانِ أَهْلِ اَلْوَقْفِ مِنْ حَقِّهِمْ فِيهِ .
وَالْجُهُودُ اَلشَّاقَّةُ لِعَمَلِيَّاتِ اَلتَّرْمِيمِ اَلَّتِي تَخْضَعُ لَهَا اَلْوَثَائِقُ وَالْمَخْطُوطَاتُ اَلْقَدِيمَةُ بِقِيمَتِهَا اَلْأَثَرِيَّةِ اَلْمُسْتَمَدَّةِ مِنْ زَمَنِ نَشْأَتِهَا وَأَهَمِّيَّتِهَا اَلْاِسْتِرَاتِيجِيَّةِ كَمَرْجِعِيَّةٍ تَارِيخِيَّةٍ نَادِرَةٍ هُوَ أَدَاءٌ لِلْأَمَانَةِ وَكُلَّ مِنْ يَقُومُ بِهِ إِنَّمَا هُوَ مُرَابِطٌ عَلَى ثَغْرٍ عَظِيمٍ.
___________________________________________________________
[1]) إعلام الموقعين عن رب العالمين(3/ 11 ط العلمية)
[2]) انظر تفصيل المسألة في مدونة أحكام الوقف الفقهية (2/ 23) (2/ 124 وما بعدها)بتصرف.
([3] الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 439)
[4]) الفتاوى العالمكيرية الفتاوى الهندية (6/389).
[5] (تاريخ البيمارستانات في الإسلام (ص122)
[6]) الشرح الممتع على زاد المستقنع (11/33)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (16/517) وبحث “الأوقاف “الأحباس” وأحكامها وأقسامها ومواردها ومصارفها إعداد سماحة الشيخ عبد الله سليمان بن منيع، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، (العدد 13، الدورة الرابعة عشرة في الدوحة، ذو القعدة 1423هـ/يناير 2003م.
[7]) أخرجه أخرجه أحمد (6/93، رقم 24666)، مسلم في “صحيحه” (1828) في الامارة: باب فضيلة الإمام العادل، من طريق جرير بن حازم، وابن وهب، كلاهما عن حرملة، عن عبد الرحمن بن شماسة. مختصرًا وأخرجه أيضًا: أبو عوانة (4/380، رقم 7023)، وابن حبان (2/313، رقم 553)، والبيهقي (10/136، رقم 20253).
[8])التيسير بشرح الجامع الصغير (1/208)، دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (5/117)، التنوير شرح الجامع الصغير (3/99)، النهاية (2/246)، فيض القدير (2/107)،شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (8/2570).