نقترب من موسم الأعياد اليهودية الطويل الذي يمتد على مدى 22 يوماً ما بين السبت 16 سبتمبر 2023 وحتى السبت 7 أكتوبر 2023م، وهو موسم تتخذه جماعات الهيكل المتطرفة منصة لتصعيد عدوانها على المسجد الأقصى في كل عام نحو أعلى ذروة له، وهو ما يفرض أن نتوقف عنده بالفهم والاستعداد والتحضير، ولا بد أولاً أن نتوقف مع 5 جوانب أساسية، هي:
أولاً: أن هذا الموسم يشكل موسم الأعياد التوراتية الأطول؛ إذ يبدأ بيومي رأس السنة العبرية السبت والأحد 16 و17 سبتمبر، متبوعاً بأيام التوبة العشرة التي تتكثف الاقتحامات فيها أيضاً، يليها «عيد الغفران العبري»، يوم الإثنين 25 سبتمبر، وهو اليوم الأهم والأكثر قداسة توراتياً، ثم بعده بأسبوع يأتي «عيد العرش» التوراتي الممتد على 8 أيام من السبت 30 سبتمبر وحتى السبت 7 أكتوبر 2023م، وهو أحد أعياد الحج التوراتية الثلاثة التي ترتبط بـ«الهيكل» المزعوم، وهو ما توظفه جماعات الهيكل المتطرفة لفرض كل طقوسه داخل المسجد الأقصى.
ثانياً: أن موسم الأعياد هذا لطالما شكل الموسم الأعتى والأكثر شراسة وخطورة على هوية المسجد الأقصى، ولهذا فنحن نؤرخ فيه لمجزرة الأقصى عام 1990م، ولهبة النفق عام 1996م، ولانتفاضة الأقصى عام 2000م، ولهبة السكاكين عام 2015م؛ ما يجعل هذه الأعياد الموسم الأكثر تفجراً على مدى تاريخ الصراع، خصوصاً إذا ما أضفنا إليها حرب عام 1973م التي انطلقت في يوم «عيد الغفران» التوراتي.
ثالثاً: أن هذه الأعياد تأتي هذا العام في سياق ذروة صعود تيار الصهيونية الدينية المستحوذ على نصف حقائب حكومة نتنياهو الحالية، وجماعات الهيكل التي هي واجهة هذا التيار في العدوان على المسجد الأقصى؛ ما يجعلها مدفوعة بكل السبل لفرض مفاعيل هذا النفوذ غير المسبوق في المسجد.
رابعاً: أن هذا العدوان -وسائر الاعتداءات منذ عام 2019م- تركز على التأسيس المعنوي للهيكل عبر فرض الطقوس التوراتية، باعتباره الهدف المرحلي الأكثر نشاطاً في هذه الفترة، مع عودة السعي النشط لفرض تقدم في التقسيم الزماني والمكاني في الوقت عينه؛ وهو ما يعني محاولة تحويل «الأقصى» من مقدس إسلامي خالص إلى مقدس مشترك، وهذا العنوان العام لما يمكن أن نشهده من عدوان في «الأقصى» خلال هذا الموسم.
خامساً: أن هناك مقدمات وسوابق بالفعل تشجعهم على المضي قدماً في ذلك: أولها نجاح شرطة الاحتلال في ضرب عزلة كاملة على الساحة الشرقية لـ«الأقصى» خلال الاقتحامات، ونجاح جماعات الهيكل في نفخ البوق في «الأقصى» وتقديم القرابين النباتية فيه على مدى عامين ماضيين (2021، 2022م).
على المستوى التفصيلي، فما يمكن أن نشهده في كل عيد من هذه الأعياد التوراتية هو التالي:
أولاً: في رأس السنة العبرية: فإن الهدف الأساس سيكون نفخ البوق في المسجد الأقصى وفي جواره مراراً، لإعلان أن الزمان العبري يبدأ منه باعتباره «الهيكل» المزعوم، وهذا تم على مدى عامين ماضيين ولم يوثق رغم ذلك نتيجة عجز الأوقاف الأردنية عن ممارسة مهامها في الساحة الشرقية لـ«الأقصى» أمام العدوان الصهيوني المتزايد.
ثانياً: أيام التوبة العشرة من رأس السنة العبرية وحتى الغفران التوراتي: اقتحام «الأقصى» بالثياب البيضاء، لتكريس حضور الثياب التوراتية في المسجد، وتكريس حضور طبقة الكهنة فيه كذلك، وهي الطبقة التي تقود صلاة اليهود في «الهيكل»، حسب التصور التوراتي.
ثالثاً: عيد الغفران التوراتي: والهدف فيه محاكاة القربان، وتسجيل رقم قياسي للمقتحمين فيه وفي اليوم التالي له، وكذلك محاولة نفخ البوق في المدرسة التنكزية بعد غروب الشمس مباشرة.
رابعاً: عيد العرش التوراتي: محاولة إدخال القرابين النباتية إلى الأقصى تعبيراً عن كونه «الهيكل» المزعوم، وأن يتم ذلك برعاية شرطة الاحتلال وبأعداد كبيرة، كما أن هذه الأيام تشكل موسماً سنوياً لرفع أعداد المقتحمين إلى ما يقارب أو يتجاوز 1500 مقتحم يومياً على مدى عدة أيام متتالية.
أمام هذا التشخيص لأهمية هذا الموسم والتجربة التاريخية للعدوان على «الأقصى» فيه، وأمام تجارب السنوات الماضية من تحويله إلى مناسبة للوصول بالعدوان على «الأقصى» إلى ذروات غير مسبوقة، ولتكريس حقائق جديدة فيه بإدخال الأدوات الدينية التوراتية وفرض نفخ البوق ومحاكاة القربان وفرض القرابين النباتية، فلا بد من توجيه كل الأنظار إلى هذا العدوان، والاستعداد لمواجهته وصده بكل الأدوات الممكنة.
على مدى 7 محطات ممتدة لـ10 سنوات راكمت معركة «الأقصى» في مسيرتها المتجددة ما بين عامي 2013 – 2023م نحو 5 عناصر قوة، هي: الإرادة الشعبية بالاعتكاف والرباط والاعتصام والتظاهر، والعمليات ذات الدافع الفردي، والتفاعل الخارجي عبر الحدود والحراك الشعبي في العالم الإسلامي، وانخراط المقاومة المسلحة في قطاع غزة في الوقت والطريقة التي تراها مناسبة، وتنضم إليها اليوم المقاومة العلنية المسلحة الآخذة بفرض نفسها في بؤر محددة في الضفة الغربية؛ ولا بد اليوم من استحضار هذه العناصر والدفع بكل سبيل ممكن نحو استعادة فاعليتها، والسعي إلى إضافة عناصر جديدة لها؛ فمعركة «الأقصى» باتت بلا شك اليوم أكثر إلحاحاً وتحدياً من أي وقت مضى.