العنفُ الأسريُّ هو كل سلوك يصدر في إطار علاقة حميمة، يسبب ضررًا أو آلامًا جسمية أو نفسية أو جنسية لأطراف تلك العلاقة، أو هو سلوك عدواني، بدني أو معنوي، تمارَس فيه القوة أو الإكراه بطريقة متعمدة، غير شرعية، من قِبل فرد أو أكثر من أفراد الأسرة، ضد فرد أو أكثر من الأسرة ذاتها، يكون واقعًا تحت سيطرة الجاني وتأثيره؛ مما يُلحق به الهلاك، أو الضرر أو الأذى.
والمراد بالأسرة الزوج والزوجة والأولاد، ويتبع ذلك الأخوات والإخوة والآباء والأجداد ممن يعولهم رب الأسرة، والغالب أن العنف الأسري يقع من الزوج على زوجته، ومن الأب على أولاده، ومن الأخ على أخواته وإخوته، وقد يكون بالعكس؛ من الزوجة على زوجها، ومن الأولاد على والديهم.
أشكال العنف الأسري
وتتفاوت أشكال العنف الأسري، بين العنف المادي، والعنف المعنوي:
– فالعنف المادي، يشتمل على: القتل وسائر الاعتداءات الجسدية كالضرب بكل أشكاله، والاعتداءات الجنسية.
– أما العنف المعنوي، فيشتمل على: الإيذاء اللفظي (سب، شتم، تجريح، توجيه صفات مزرية للمعنَّف، امتهان، التهديد، الاستهزاء)، ضمن ما يُعرف بـ«سوء المعاملة النفسية»، ويدخل ضمن العنف المعنوي: الطرد من المنزل، الحبس المنزلي أو انتقاص الحرية، نقص الاهتمام العاطفي، إهمال تعليم الأطفال ورعايتهم طبيًّا، أو تشغيلهم في أعمال لا تتفق مع قدراتهم العقلية والجسمية.
سلوك عدواني محرم
ويحرّم الإسلام اعتداء أعضاء الأسرة بعضهم على بعض، اعتداء يفضي إلى الأذى البدني أو المعنوي، وهذه الحرمة تأتي من مجافاة العنف الأسري مقاصد الشريعة في حفظ النسل والعقل، على النقيض من المنهج الرباني القائم على المعاشرة بالمعروف والبر، كما أنه مناف لتكريم الخالق جل وعلا للإنسان وتفضيله إياه على سائر خلقه؛ (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70).
ظاهرة عالمية
لقد صدر أول إعلان لحقوق الطفل عام 1932م تبلور عنه إعلان جنيف لحقوق الطفل عام 1942م، ثم اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، عام 1995م، إعلانًا عالميًّا لحقوق الطفل، وفي عام 1989م، صدرت اتفاقية حقوق الطفل، التي تعهدت بحماية حقوقه وتعزيزها، ودعم نموه ونمائه، ومناهضة أشكال العنف التي توجَّه ضده.
أما بالنسبة للمرأة فقد خصصت الأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر من كل عام يومًا للقضاء على العنف ضد المرأة، وذلك في قرارها (54/ 134) الصادر عام 1999م، وقبل ذلك بسنوات (1993م) صدر الإعلان العالمي لمكافحة العنف ضد المرأة.
وللأسف؛ لم تمنع قوانين الدول -المحلي منها والعالمي- العنف الأسري، الذي بات ظاهرة تؤرق البشرية من دون استثناء، كما لم تحدّ الحياة العصرية في الدول المتقدمة من الظاهرة؛ التي تسجل أعلى معدلاتها في تلك الدول وخصوصًا ما يقع على النساء والأطفال، بل زادتها حتى صارت أرقامها معقدة، عصيّة على الصمت والإهمال.
الظاهرة عربياً
رغم ندرة المعلومات، ورغم خصوصية ما يجري داخل الأسرة العربية الذي يعد -حسب أعراف مجتمعاتنا- أمرًا محرمًا لا يجوز الاقتراب منه؛ فإن العنف الأسري بات يشكّل ظاهرة في بلداننا، شئنا ذلك أم أبينا؛ حيث تشير الأرقام المتاحة أن 90% من مرتكبي العنف الأسري من الذكور، وأن 50% من حوادثه تقع ضد الزوجة، وأن تعليم المرأة وعملها لم يشكلا دافعين لانخفاض العنف ضدها، أما الطفل العربي فلم يسلم من شتى أنواع العنف الواقع عليه من الوالدين أو الأقارب، أما أخطر أشكال العنف ضد الأطفال في مجتمعاتنا فهو العنف الجنسي؛ حيث رصدت الدراسات أن ما يقرب من 20% مما يقع من جرائم على الأطفال العرب جنسية، المدانون فيها غالبيتهم ممن يعرفهم الطفل؛ أي من داخل الأسرة أو من السائقين والخَدَم، وأن هذه الجرائم شملت جميع الاعتداءات الجنسية المعروفة بدءًا من التحرش بالطفل وممارسة الجنس معه، حتى الشذوذ والاستغلال الجنسيين.
وهناك أسباب طارئة فاقمت الظاهرة عربيًّا، تتبلور في أسباب اقتصادية؛ كالبطالة والفقر والتحوّلات الاقتصادية العالمية وظواهر الاستهلاك والترف وغيرها، وأسباب اجتماعية؛ كضعف القيم، والتفكك الأسري، وثورة التنقل والاتصالات، وأسباب ثقافية وسياسية؛ كحالات الإحباط والكبت التي أصابت مجتمعاتنا في السنوات الأخيرة، والغزو الفكري الذي تتعرض له مجتمعاتنا ليل نهار.
توصيات للعلاج والوقاية
يطرح خبراء المجال الاجتماعيون والنفسيون والشرعيون وغيرهم عددًا من التوصيات للوقاية من العنف الأسري وعلاج مظاهره، نشير إلى أهمها:
– إصدار الفتاوى الدينية حول حرمة ممارسة العنف الأسري، ومخالفته للشرع وقواعد القيم والأخلاق، والاستفادة من الإعلام في التوعية المستمرة بحقوق المرأة والطفل والإنسان بوجه عام.
– إطلاق مبادرات إسلامية تتبناها الهيئات والجمعيات والمؤسسات الطوعية لتبني القضية وحلولها، والتنسيق فيما بينها لحصار الظاهرة.
– تأهيل المقبلين على الزواج بأدوارهم ومسؤولياتهم المستقبلية، وعقد دورات للأبوين في تربية الأطفال وتوعيتهم بمتطلبات المراحل العمرية لأبنائهم.
– الاهتمام بالإحصاءات الرسمية المتعلقة بهذه القضية، وإجراء دراسات رصينة وموسّعة حول حجم المشكلة، ومدى انتشارها وأسبابها، وآثارها على المدى القريب والبعيد.
– تفعيل القوانين والأحكام القضائية الشرعية المحققة لمبدأ العدالة واستقرار الأسر.
– علاج مشكلات الفقر والبطالة، وتحسين نوعية الحياة بالمناطق العشوائية، وتعزيز فرص النساء والأطفال في التعليم.
– منع مشاهد العنف الأسري في وسائل الإعلام المختلفة، وتصحيح الأعراف الخاطئة التي تروِّج لحق المعنِّف في الاعتداء على ضحيته.