يزداد الاهتمام العالمي بالتنمية يوماً بعد يوم حيث احتل مفهوم التنمية مساحة كبيرة من برامج أغلب الحكومات، كما كان المفهوم محط أنظار كثير من الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين، وذلك انطلاقاً من دوره الحاسم في تحديد مستقبل الشعوب والمجتمعات، فالتنمية عملية ضرورية وحيوية لتحريك المجتمعات ولضمان تطورها ونقلها من مستوى إلى مستوى أفضل، والتنمية جهد وفكر جماعي، فكما ينعم الجميع بآثارها الإيجابية، فإن الوصول إليها مسؤولية الجميع ابتداءً من المنظمات الحكومية (القطاع العام) والمنظمات الربحية (القطاع الخاص) والمنظمات غير الربحية (القطاع الثالث)، وجهد هذه القطاعات الثلاثة هو المدخل الحقيقي للتنمية ومن الخطأ الاعتقاد أن المنظمات والمؤسسات والجمعيات غير الربحية التي تعمل في المجال الإغاثي والإنساني بعيدة عن التنمية.
فالتنمية تشير إلى العمليات والجهود التي تهدف إلى تحقيق تحسين شامل في جودة حياة المجتمعات والارتقاء بمستوى الرفاهية، وتشمل هذه العمليات تعزيز النمو الاقتصادي، وتوفير الخدمات الأساسية مثل التعليم، والصحة، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتعزيز حقوق الإنسان، وأما العمل الإنساني فإنه يركز على تقديم العون والدعم للأفراد والمجتمعات الذين يعانون من الأزمات والكوارث والظروف الصعبة، ويشمل العمل الإنساني تقديم المساعدات الغذائية، والإسكان والرعاية الصحية والتعليم والحماية من العنف والاستقلال ويهدف إلى تخفيف المعاناة وإعادة بناء الأمل في استعادة استقرارهم وحياتهم.
ويتضح من هذين المفهومين (التنمية، والعمل الإنساني) أنهما يعملان معًا على تحقيق التنمية المستدامة ومساعدة الأفراد والمجتمعات في العيش بكرامة وتحسين جودة الحياة، سواء كان ذلك من خلال تعزيز البنية التحتية والنمو الاقتصادي، أو من خلال تقديم المساعدات والدعم في حالات الطوارئ والأزمات.
أهمية التنمية
فعلى الرغم من الحداثة النسبية لمفهوم التنمية، فإن أهميتها بالنسبة للدولة والمجتمع والأفراد تعتبر جوهرية، وتتنامى يوماً بعد يوم، وتتجلى هذه الأهمية في كون التنمية منهج عمل وحياة يهدف إلى تمكين المجتمع من الإنتاج كل حسب موقعه الاقتصادي والاجتماعي لتغدو جميع مكونات المجتمع وحدات إنتاجية تسهم ككل متكامل في استقرار البيئة الاقتصادية والاجتماعية، وتظهر أهمية مفهوم التنمية على ثلاثة مستويات؛ هي: الفرد والمجتمع والدولة، حيث تظهر أهمية التنمية على مستوى الفرد انطلاقاً من أحقية الإنسان في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والمشاركة في بناء المجتمع، وتحسين جودة حياة الأفراد، وتحقيق الازدهار الشخصي والمهني والصحي، والوصول إلى الفرص وتحقيق الأهداف الشخصية.
أما على مستوى المجتمع فتتجلى أهميتها في جملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تواجه المجتمعات حيث تعتبر التنمية وقاية وعلاجاً لهذه التحديات، وخاصة أن للتنمية أبعاداً اقتصادية واجتماعية، كما أنها تعني تحقيق التقدم والتحسين في جميع جوانب الحياة داخل المجتمع، ويمكن أن يشمل ذلك توفير البنية التحتية مثل الطرق والمدارس والمستشفيات وزيادة فرص العمل وتحسين مستوى معيشة السكان، وتعزيز الثقافة والتعليم والفعاليات المجتمعية.
أما على مستوى الدولة، فلعل ظهور مفهوم التنمية كان على مستوى الدول وانتقل تدريجياً إلى باقي المستويات الأخرى، وتتعلق بتحقيق التقدم وتعزيز الازدهار للبلدان ككل، وهذا يشمل تحسين الاقتصاد، وتعزيز التعاون الدولي، لتحقيق أهداف مشتركة، يتضمن ذلك تنسيق الجهود الدولية لمكافحة التحديات العالمية؛ مثل تغير المناخ والجوع والفقر، ومن هنا نؤكد أن واجب بلوغ التنمية مسؤولية جميع القطاعات، وهذا يحتم علينا أن تكون هناك نظرة مختلفة لدور الجمعيات والمؤسسات الخيرية والإنسانية.
ولفترة طويلة في حياة العمل الخيري والإنساني، كانت هناك فكرة مسيطرة ألا وهي أنه عمل استهلاكي بحت، وأن المستهدفين بالخدمات الإنسانية هم عائق أمام تطور مجتمعهم، وأن المنظمات الخيرية والإنسانية باعتبارها منظمات غير هادفة للربح فهي تعرقل البناء الاقتصادي، حيث سادت قناعة بأن أي جهد لا يهدف إلى الربح فهو معرقل للبناء الاقتصادي، وفي الحقيقة هذه النظرة صائبة في جانب وخطأ في جوانب أخرى، فهي صائبة أن العمل الإنساني ظل لفترة طويلة عماده الاستهلاك، ولم يكن يملك فكراً إستراتيجياً تنموياً بل كان يركز على الإنفاق الغذائي، وفي القرن العشرين بدأت النظرة للعمل الخيري والإنساني تتغير من فكر العطاء الاستهلاكي إلى العطاء التنموي، واستندت هذه النظرة إلى أن الإنفاق الإغاثي المباشر لا يحقق تغييراً دائماً في واقع المستفيدين، فالتغير الذي يحدثه هو تغيير آني يزول مع زوال الإغاثة ليعود المستفيدون إلى المربع الأول، وتستمر هذه العلاقة والدوران في حلقة مفرغة، كما ولدت هذه النزعة عند بعض المستفيدين الاتكالية فباتوا ينتظرون الخدمة المقدمة لإعانتهم دون التفكير في إيجاد مصادر دخل أخرى، وهنا يجب أن يتم إعادة النظر في هيكلة وفلسفة الخدمات التي تقدم من المنظمات الإنسانية بحيث تكون ذات بُعد تنموي.
وتتمثل أهمية الدور التنموي للمنظمات الإنسانية من منطلق أن التنمية عملية تكاملية تتطلب مشاركة الجميع فيها، فالجهود المبذولة في إطار العمل الإنساني لها طابع تنموي تكاملي مع جهود بقية القطاعات، ومن هناك تبرز أهمية العمل الإنساني في تحقيق التنمية في العديد من النقاط، منها مدى قرب المنظمات الإنسانية من الفئات الاجتماعية المختلفة، وتعدد مصادر تمويل المنظمات الإنسانية وقدرتها على الانتشار في مناطق وبيئات قد يصعب على القطاعات الحكومية والخاصة الوصول إليها.
فالعمل الإنساني يحقق التنمية المنشودة من خلال تأثير نشاطاته وخدماته ومشروعاته على عدة مستويات، وتختلف آلية التأثير باختلاف كل مستوى من المستويات، وتعد هذه المستويات مجتمعة لتحقيق التنمية العامة والمتكاملة على مستوى البيئة بالكامل سواء على مستوى الأفراد الذين هم الحلقة الأولى في تحقيق التنمية، فالمعروف أن التنمية تبدأ من المستويات الدنيا وتعكس إيجاباً على المستويات العليا، وفي هذا المستوى يتم تقديم الدعم والرعاية لكل فرد من أفراد المجتمع وفق ما يحتاجه من تدريب وتأهيل؛ وذلك بهدف الوصول إلى مرحلة الاعتماد على الذات، وحينما نتحدث عن التأهيل لا نقصد به التأهيل المادي فقط، بل أيضاً نقصد به التأهيل الفكري.
أما على المستوى الثاني فهو مستوى الأسرة، وفي هذا المستوى تعمل المنظمات الإنسانية على دراسة بيئة الأسر وتوفير أدوات الإنتاج وتدريبهم لتحويل هذه الأسر المعالة إلى أسر منتجة، كما تعمل المنظمات في الوقت ذاته على تأهيل الأسر نفسياً بهدف تحقيق الترابط الأسري، وعدم حدوث التفكك الذي يؤدي إلى تدمير أفراد الأسرة، وذلك من خلال برامج تدريبية، أما المستوى الثالث فهو مستوى المجتمع؛ وفي هذا المستوى تنعكس الإجراءات التي تم اتخاذها في الإجراءين السابقين، بالإضافة إلى العمل على استثمار الموارد البشرية المتاحة من خلال التحفيز على الإنتاج واستقطاب المزيد من العاملين ذوي الكفاءة إلى سوق الإنتاج،
وفي الختام، تعتبر التنمية والعمل الإنساني من أهم الجوانب في تحقيق التقدم والازدهار في عالمنا المعاصر، ومن خلال الجهود المشتركة على مستوى الفرد والمجتمع والدولة يمكن تقديم تحسينات ملموسة في حياة المجتمعات وتعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية، كما يجب أن نعمل معًا على تعزيز التنمية المستدامة، وتقديم الدعم الإنساني لأولئك الذين يحتاجون إليه، لضمان عيش ومستقبل أفضل للجميع.