ساعات قليلة، ويبدأ المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية التي تنظمه الأمم المتحدة بالعاصمة المصرية القاهرة، خلال الفترة من 5 – 8 سبتمبر الجاري.
ويأتي المؤتمر بعد 29 سنة من انعقاد مؤتمر السكان والتنمية عام 1994م بالقاهرة، الذي أثار جدلاً واسعا آنذاك، واعتراض القيادات الإسلامية والمسيحية على بعض توصياته المخالفة لتعاليم الأديان.
«المجتمع» تحاورت مع عدد من علماء الإسلام ورجال الدين المسيحي، بشأن أجندة المؤتمر، والمطلوب من المشاركين فيه.
مخاوف من تمرير توصيات تفتت الكيان الأسري والاجتماعي
في البداية، يقول د. عباس شومان، وكيل الأزهر السابق: أنا على يقين تام أن القيادات السياسية والدينية في مصر لن توافق على أي توصيات تخالف تعاليم الأديان الإسلامية والمسيحية، لأنها على وعي بالجدل الكبير، والموقف الموحد للأزهر الشريف والكنيسة المصرية والفاتيكان في التحفظ على بعض البنود التي تمت مناقشتها في مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية عام 1994م، خاصة ما يتصل بحرية المرأة وتمكينها تمكيناً شاملاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وإزالة كل أشكال التمييز ضدها لتكون هي والرجل متساويين في كل شيء بصرف النظر عن تعاليم الأديان فيما يتعلق بالميراث وتعدد الزوجات، على سبيل المثال، التي تمت صياغتها في اتفاقية «سيداو».
ويحذر شومان من الأجندة المشبوهة التي تروج لها المنظمات النسوية التي تؤمن بأن الأنثى هي الأصل، وأن عصر حكم النساء وسيطرتهن على كل شؤون الحياة البشرية، ونسبة الأولاد لأمهم هو العصر الذهبي للمرأة، ويجب العمل على عودته بأي شكل، مشدداً على رفض هذه الأفكار النسوية التي تسربت إلى المنظمات الأممية واخترقتها وسيطرت على كثير منها.
تفتيت الأسرة
ودعا د. محيي الدين عفيفي، الأمين العام السابق لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، المشاركين في المؤتمر من الدول العربية والإسلامية إلى الوعي بما يحاك لهم لتفتيت وتدمير الأسرة، باعتبارها الحصن الحصين الباقي في قوة مجتمعاتنا في ظل تفكك الأسرة عند غير العرب والمسلمين، مضيفاً أن المنظمات النسوية لن يهدأ لها بال إلا إذا نشرت سمومها في مجتمعاتنا تحت مسميات براقة وخادعة، حتى يلتهم شبابنا وبناتنا الطعم الذي يتم الترويج له عبر وسائل الإعلام والتواصل.
أجندة المؤتمر تتجاهل قضايا اللاجئين والمشردين حول العالم
وتابع: هناك محاور للمؤتمر تهتم بالصناعة الدوائية، منها ما هو جيد في علاج الأمراض، ومع هذا نحذر من إقرار الأدوية التي تحتوي على مكونات الخنزير، أو بعض المواد المخدرة المؤدية للإدمان.
ويتعجب عفيفي من تجاهل المؤتمر لقضايا اللاجئين والمشردين في العالم، الذين يتزايد عددهم يومياً، ويتعرضون لمآسٍ غير آدمية، أليسوا هؤلاء بشراً لا بد أن تناقش مؤتمرات السكان مشكلاتهم بدلاً من التركيز على دعم الشواذ والمثليين وراغبي الزواج بالحيوانات بدلاً من أمثالهم من البشر؟!
وأنهى عفيفي كلامه محذراً من مصطلح خادع في المؤتمر عنوانه الدبلوماسية الصحية، داعياً العرب والمسلمين إلى الوعي بتفاصيل هذه المسميات التي قد يكون ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، هذا مجرد تحذير فقط بالوعي، ونحن لسنا من أنصار إلقاء التهم جزافاً أو الإيمان بنظرية المؤامرة الدائمة، ولكن المسلم الحق كيّس فطن.
شعارات خادعة
ويؤكد د. عبدالمنعم سلطان، رئيس قسم الشريعة بكلية الحقوق– جامعة المنوفية، أن هناك محوراً رئيساً من محاور المؤتمر، وهو المتعلق بتمكين المرأة وإزالة كل أشكال التمييز، وهذا يعد استكمالاً لما حرصت عليه مؤتمرات الأمم المتحدة للسكان والتنمية منذ بدايتها في الخمسينيات، وكذلك مؤتمرات المرأة المعروفة إعلامياً بـ«مؤتمرات بكين»، وهذا يمثل خطراً علينا إذا لم تتم مراعاة اختلاف الأديان والثقافات والجنسيات والأعراق.
علماء يحذرون من محاولات غربية لفرض تحديد النسل
ويحذر سلطان من أي محاولة لتمرير قوانين لتقنين المثلية وكل أنواع الشذوذ، وإباحة العلاقات الجنسية دون زواج، وتوفير حماية ورعاية مواليد هذه العلاقات غير الشرعية، وكذلك محاولات فرض تحديد النسل عالمياً، وخاصة أن الدول الغربية –وخاصة الأوروبية- ترى أن الزيادة السكانية في غيرها من الدول النامية تمثل تهديداً لأمنها القومي، حيث تعاني تناقصاً في أعداد المواليد والشباب وتزايداً في عدد المسنين، وهذا ما جعل خبراء السكان يطلقون عليها القارة العجوز التي تعاني من الشيخوخة.
ويطالب د. محمد عبدالدايم، وكيل كلية الدعوة- جامعة الأزهر، المشاركين في المؤتمر بالبحث عن حلول عملية ومفيدة للمشكلات التي تعاني منها الدول النامية وخاصة الأفريقية، التي فاض بأهلها الكيل من خلال الانقلابات العسكرية بسبب استمرار هيمنة الاستعمار الغربي على مقاليد الأمور فيها، ومواجهة الثالوث اللعين؛ الجهل، والفقر، والمرض.
وأنهى عبدالدايم كلامه مؤكداً أن سيطرة اللوبي الصهيوني، وكذلك تيار الصهيونية – المسيحية على المنظمات الأممية المنظمة لمؤتمرات السكان والتنمية، وكذلك مؤتمرات المرأة لا يخفى عليهم حقيقة أن معدل الخصوبة بين النساء في فلسطين المحتلة هو الأعلى في العالم، مما يمثل خطراً على الكيان الصهيوني حالياً ومستقبلاً، لأنهم يمثلون قوة بشرية لا يستهان بها وخاصة في ظل تراجع خصوبة المرأة «الإسرائيلية» والهجرة العكسية بسبب التوترات الحالية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
رفض مسيحي
ويؤكد الأنبـا إرميـا، الأسقف العام، رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، أنه من الخطأ التعميم بأن يتم النظر إلى كل مؤتمرات السكان والتنمية من خلال نظرية المؤامرة، وإنما علينا النظر إليها بموضوعية، وتشجيع الجوانب الإيجابية والتصدي للسلبيات بالحكمة، وتوضيح حقيقة مواقف الأديان السماوية الثلاثة على تحريم وتجريم العلاقات بين الجنسين خارج إطار الزواج، فمثلاً المسيحية تنهى عن الزنى، فقد جاء في الكتاب المقدس، في العهد الجديد: «أهربوا من الزنا» (1كورنثوس 18:6)، وفي العهد القديم: «لا تزن»، وفي القرآن الكريم: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) (الإسراء: 32).
قيادات قبطية تؤكد دعم تماسك الأسر المسلمة والمسيحية
يوافقه في الرأي القمص إبراهيم فهمي القيادي ببيت العائلة المصرية، أن الأزهر والكنيسة يد واحدة في كل ما يدعم تماسك الأسر المسلمة والمسيحية ليس في مصر فقط، بل في العالم كله، باعتبار أن التماسك الأسري يؤدي إلى قوة المجتمعات الإنسانية، وحثت الأديان السماوية على الزواج لتعمير الأرض بمن يعرفون الله ويعبدونه، أما التخبط في الأفكار المخالفة للأديان والفطرة فهو أمر مرفوض شكلاً وموضوعاً، مع التأكيد على أننا نرفض كل ما يخالف الأديان في هذه المؤتمرات التي علينا أن نحذر ونتصدى لسلبياتها، ونستفيد من الجوانب المفيدة فيها مثل محاربة الأمراض الفتاكة والمزمنة ووضع إستراتيجية أفضل لحاضر ومستقبل البشرية.