كاتب المدونة: سيد محمد
إن المسلمين في الهند لا شك جزء لا يتجزأ من جسد الأمة الإسلامية في العالم، ومن هذا المنظور الديني الخالص يمكن القول: إن الأزمات والمشكلات التي يمر بها المسلمون في الهند جزء من الأزمة الموجودة للأمة الإسلامية في كل بقعة من بقاع الأرض، وهناك أسباب وعناصر عدة أدت إلى أن تجعل أحوال المسلمين في الهند بمثابة هباء لا قيمة لهم ولا وزن في عالم السياسة والثقافة والتعليم والمال والاقتصاد، ومن أهم الأسباب التي أدت دوراً مهماً في جعل المسلمين ضعفاء في هذا البلد العظيم، هي:
1- التصور الديني الخاطئ بين المسلمين في الهند:
ولا يمكن لوم المسلمين الذين يعيشون في أي بقعة من بقاع الأرض عن ظاهرة التصور الديني القاصر لديهم؛ لأن القوى الغربية التي أدركت قوة الإسلام وقوة الدين لجذب فطرة الناس حاولت على مدار التاريخ لتغيير التصور الصحيح للدين، وأخيرا نجحوا في جعل هذا الدين ديناً مقدساً يشمل بعض العبادات والنسك قبل قرنين من الزمن.
إن فكرة التصور الصوفي وفكرة المريد المنتشرة في كل أنحاء الهند كانتا نتاج التصور الديني القاصر التي تم ترسيخه في قلوب المسلمين، وهذه القوى الغربية المسيحية نجحت بشكل كامل في خططهم، وهذا الأمر يمكن أن نشاهده في كل الأراضي الإسلامية، ولكن نفس الشيء يمكن أن نرى قساوته وشدته في كل بقاع الهند، والسبب وراء هذا يعود إلى عناصر تاريخية أخرى.
نرى معظم المسلمين في الهند بعيدين كل البعد عن التصور الديني الصحيح، وليس لدى معظم المسلمين وجهة نظرية عن الدين والسياسة والأخلاق والتصور الشامل عن دينهم، ومنهم من يتخذ الدين بمثابة حبل ينقذهم من النار في الآخرة، ويعتبرونه مفهوماً لتزكية قلوب المسلمين، ويفضل الكلام عن الآخرة ويكره الكلام عن الدنيا وعن السعادة والخير فيها، ويعيشون في هذه الدنيا كمخلوقات تتعامل مع هذه الدنيا ومع أهاليها كأنما أتت من كوكب آخر، وهذا ليس لوماً ولا ادعاء، بل حالة يمكن أن نراها في كل المناطق بالهند باستثناء ولاية كيرلا بالجنوب؛ حيث توجد حركات دينية إصلاحية تعمل ليل نهار ضد هذه الظاهرة الغريبة.
في يوم من الأيام عام 2016م، كنت في سفر من مدينة حيدر آباد إلى ولايتي مع صديقي، ونزلنا في الطريق لأداء الصلاة، وبعد ما أتممنا الصلاة حاولنا الكلام مع إمام المسجد الذي كان يدرب الطلاب على حفظ القرآن، وبعد السلام والتحية تكلمنا ما تكلمنا، وحينما تكلمت عن تعليمي الديني وعن عائلتي بدا في وجهه ملامح غريبة، وخرج من فمه هذه الكلمات: إنني حزين لأنني لا أستطيع أن أراك مع رسول الله في الجنة؛ لأن لباسك وشكلك لا يناسبان مسلماً يريد الدخول إلى الجنة! هذه فقط صورة حية عن التصور الديني لدى شيوخ الدين في الهند الذين يديرون معظم المدارس والمعاهد الدينية في كل أنحاء البلاد!
2- التيه الأيديولوجي والسياسي:
على الرغم من أن تعداد المسلمين يتجاوز أكثر من 200 مليون نسمة، نراهم يتيهون دون أي خطة واضحة أو فكرة صريحة عن التصور السياسي الذي يمكن به التخلص من الأزمات التي تمر بهم منذ سنوات، وهذا التيه يمكن أن نرى فيه تشابهاً في تيه بني إسرائيل، فهم قوم عاشوا على وجه الأرض أكثر من 4 آلاف سنة وأصبحوا أصحاب الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله!
إن أصحاب الملا وشيوخ الدين الذين ينتمون إلى فرق مختلفة مارسوا دورهم الخاص في جعل الأمة المسلمة أصحاب التبعية الأعمى للتصور الديني الخاطئ والمنحصر الذي يجعلهم أدوات تعمل ليل نهار كماكينة تدور حول فلك التفكير عن الآخرة فقط، وأي عمل خارج هذه الدائرة يعتبر حراماً ولا يجوز القيام به، وبعض الأحزاب الدينية انشغلوا على مدار السنوات الماضية في أعمال تنقذهم من التصور البدعي للدين في مجال منحصر مثل التوحيد والشرك في صفات الله، وهناك لا شك بعض الأحزاب السياسية تعمل لمصلحة المسلمين، ولكن الدور المطلوب من المسلمين ليس العمل لمصلحتهم فقط، بل العمل لمصلحة عامة الناس، هل يترقب المسلمون في الهند حزباً مثل هذا؟
3- نقطة النهضة:
وعلى المسلمين أن يفكروا عن مهمتهم الأساسية؛ وهي العمل لمصلحة الناس وعمارة الأرض وترك شيء مذكور لعامة الناس في هذا البلد العظيم المعروف بديمقراطيته وعلمانيته، وبلد يمسك أهاليه بمبادئ الحرية والتعاون المشترك والتضامن والتعايش بين أهالي أديان مختلفة، والعمل للإنسانية هو دائرة أساسية يريد الإسلام أن تكون حياة المسلمين تدور حولها، وكان قدماؤنا يعملون ليل نهار لمصلحة الناس في الدنيا، وهذه مسؤولية منوطة بالأمة، كما قال الله: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران: 110)، وكما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء الذين يصلحون الناس إذا أفسدوا»، وفي هذا الحديث أكد الذين يصلحون الناس وليس الذين يصلحون المسلمين!
والتصور السياسي يدور حول هذا التصور الديني الذي رسمه القرآن وحياة الأنبياء يمكن أن يؤدي دوراً بارزاً في جعل المسلمين نماذج حية يحتذى بهم في كل المجالات؛ والمجال المالي والاقتصادي والتعليمي أهم من مجالات أخرى؛ لأن الأحوال المالية والاقتصادية والتعليمية للمسلمين في الهند في أسوأ حالة في معظم الولايات، ويمكن أن نرى أن ولاية كيرلا التي تقع في جنوب الهند فقط يمكن استثناؤها من هذه الحالة، حيث يتمتع أهالي كيرلا بفضل التعليم العالي والهجرة إلى دول الخليج والقارات الأخرى والمستوى التعليمي الذي يصل إلى أكثر من 95% والحالة الاقتصادية الجيدة التي يتمتعون بها، والمسلمون في باقي الولايات أحوالهم أصعب بكثير، وهم مهمشون ومشردون في كل المجالات؛ بسبب ضعف قدراتهم ومؤهلاتهم التعليمية والمالية لمواكبة التطورات الجارية في البلد.