مع توالي التحديات، وتعاظم الهجمات على الإسلام، تتزايد الحاجة إلى دعاة من نوع خاص، يمتلكون أدوات تبليغ الرسالة، وقدرة على فهم الواقع، وإلماماً بالعلوم الشرعية، وحنكة في استخدام لغة العقل، وتطوراً في مسايرة العصر.
دعاة من نوع خاص، باتت الأمة في حاجة ماسة إليهم، ليس دعاة حناجر، بل دعاة وفق معايير، يرى د. محمود الصاوي، وكيل كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، أنها تتضمن قدرة على فهم الدين، وليس مجرد الحفظ فقط، وإنزال ما فهمه وحفظه على الواقع الذي نعيشه.
ويضيف: وفي الوقت نفسه، لا بد أن يشعر أنه صاحب رسالة وليس مجرد داعية «سد خانة»، حتى يكون قادراً على مواجهة ثلاثة تيارات تمثل خطراً على الإسلام والمسلمين.
أولها: تيار التشدد والتطرف الذي يصل لدرجة التكفير والدموية واستباحة الدماء الأعراض والأموال، وهؤلاء زين لهم الشيطان أعمالهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، أما الثاني: تيار التفريط والتساهل بلا حدود إرضاء للناس سواء من المسلمين أو حتى غير المسلمين؛ بحثاً عن شهرة أو مكاسب مادية، وأمثال هؤلاء باعوا دينهم بعرض قليل من الدنيا، ويقدم نفسه للرأي العام على أنه داعية، ويجد قبولاً لدى ضعاف الإيمان وأعداء الإسلام.
على الداعية أن يجيد التعامل مع كل مظاهر التقدم التكنولوجي
والتيار الثالث: التغريبي العلماني الذي سخر كل أسلحته لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ويتخذ من أقوال وأفعال التيارين السابقين من المتشددين والمتساهلين وسائل للزعم بأن الإسلام متناقض وفيه «إسلامات» وليس إسلاماً واحداً.
لغة العلم والعقل
ويوضح الصاوي أن الداعية العصري لا بد أن يكون ملماً بأفكار هذه التيارات الثلاثة، ولديه الردود العقلية المقنعة على مزاعم كل تيار، متمثلاً في ذلك أمر ربه: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125).
ولاب د أن يبتعد قدر الإمكان عن لغة الحناجر والصراخ التي لم تعد مجدية في عصرنا الذي أصبحت فيه لغة العلم والعقل بكل مفرداتها ومعانيها هي المسيطرة الآن، وهذا يتطلب من الداعية أن يجيد التعامل مع كل مظاهر التقدم التكنولوجي بكل مفرداته، وهي كثيرة، ابتداء من كل وسائل التواصل الاجتماعي، والهواتف المحمولة، والفضائيات، وغيرها من وسائل الاتصال والتواصل التي تشهد تطوراً مستمراً يجعلها أكثر انتشاراً وتأثيراً.
الداعية العصري
ويرى د. محمد المنسي، أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة، أن الداعية لا بد أن يكون ابن عصره الواعي بكل ما يدور حوله ويتصرف معه بالحكمة والعقلانية، وهذا لن يكون إلا من خلال تسلحه علمياً بالإلمام بالعلوم الشرعية والعربية، والإلمام بأدوات عصره التي تساعده على مزيد من الاطلاع والتأليف والنشر بشكل أسرع وأكثر انتشاراً وتأثيراً في الرأي العام، ليس في مسجده أو حتى منطقته أو دولته فقط، بل بإمكانه أن يجعل تأثير دعوته عالمياً.
الداعية العصري يتسلح بالعلوم الشرعية والعربية والاجتماعية
ويضيف: هناك نماذج عديدة مشرفة لدعاة كسروا حواجز الحدود التي صنعها «الاستخراب الغربي» بين بلادنا العربية والإسلامية، واستطاعوا نشر دعوتهم وأصبحت لهم جماهيرية كبيرة على مستوى الأمة كلها، فيجب من الدعاة المعاصرين – خاصة الشباب- أن يتخذوا من هؤلاء قدوة، ويحاولوا التشبه بهم.
ويوضح أن سلاح التطور العلمي في مجال الاتصال والتواصل سلاح ذو حدين، فإذا كان أعداء الإسلام يستخدمونه ضدنا وضد ديننا، فيجب على الداعية تغيير صورته التقليدية بالقدرة على التعامل مع هذه الأسلحة الحديثة لتفنيد مزاعم هؤلاء المتربصين في الداخل والخارج، وليس بمعزل عن إجادة الداعية التعامل مع أسلحة عصره، أن يجيد اللغات الأجنبية ليكون قادراً على قراءة وفهم ما يحاك ضد دينه ووطنه وأمته، لأنه «من أجاد لغة قومٍ أمن مكرهم».
ويؤكد المنسي ضرورة أن يقوم الداعية بتحديث صورته ووسائله وخطابه لمواكبة العصر، وأن يكون قادراً على التواصل بنجاح مع الجماهير سواء من خلال الخطاب المباشر في المساجد والمؤتمرات والندوات، أو من خلال التعامل مع وسائل الاتصال والتواصل بلغة هادئة وهادفة، وأن يفتح للناس باب الأمل في رحمة الله والبعد عن لغة اليأس والتشاؤم، وليكن شعاره قول ربه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).
داعية الأقليات
ويؤكد د. خالد رزق تقي الدين، رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية بالبرازيل، أن أعباء الداعية ثقيلة، ولن يستطيع تحمل رسالة الدعوة الصحيحة والمؤثرة إلا إذا كان واعياً بالتحديات المحيطة به، فالتحديات التي تواجه الداعية في الدول ذات الأغلبية الإسلامية غير التحديات التي تواجه الداعية في دول الأقليات الإسلامية التي يكون فيها الداعية عليه أعباء مضاعفة، من حيث لغة التخاطب والتعامل بذكاء مع الواقع والمخالفين له في العقيدة الذين يمثلون الأغلبية السكانية، ومنهم من يعادي الإسلام.
من الضروري إجادة لغة الدولة التي يعمل فيها دعاة الأقليات
ويطالب تقي الدين الداعية بأن يكون على دراية بالعلوم الإسلامية، وفي الوقت نفسه دراساً لعلوم الاجتماع والنفس والتربية والإعلام، وأن يجيد التعامل مع الجماهير على اختلاف مستواهم التعليمي والاجتماعي والاقتصادي، وكذلك التعامل مع غير المسلمين على اختلاف عقائدهم، بل والملحدين منهم، وكذلك أن يجيد لغة الدولة التي يعمل فيها، لأن التواصل المباشر بين الداعية والجماهير أفضل ألف مرة من وجود مترجم.
وأنهى د. تقي الدين بدعوته الدعاة بوجه عام، وفي بلاد الأقليات بوجه خاص إلى التسلح بـ«شعرة معاوية»؛ بأن تتبدل مواقفه في التعامل مع الآخر بين اللين والشدة، مع التحلي بالذكاء والصبر وعدم الغضب واللين، وهي أمور يحتاجها الداعية المعاصر لتحسين صورته.