بداية، إذا تساءلنا: هل تستطيع الأمة الإسلامية أن تبني قوة إعلامية؟
بالتأكيد هناك الكثير من الإمكانات المادية والبشرية التي يمكن توظيفها في بناء صناعة مضمون إسلامي، واستثمار الثروة الفكرية والثقافية الإسلامية لبناء القوة الإعلامية في مشروع حضاري يهدف لقيام الأمة بوظيفتها الحضارية؛ كما أن هناك جمهوراً يزيد على ملياري مسلم يمكن أن يوفروا إمكانات النجاح للكثير من المشروعات الإعلامية التي يمكن أن تشبع احتياجات هذا الجمهور الكبير لمضمون إسلامي، وتعبر عن آمال الأمة، بحسب د. سليمان صالح، أستاذ ورئيس قسم الصحافة السابق بكلية الإعلام جامعة القاهرة.
ولكن تظل نقطة البداية هي أن تدرك الأمة أهمية بناء القوة الإعلامية، ودورها في تشكيل رأي عام إسلامي، والمستقبل يحمل الكثير من الفرص لبناء إعلام إسلامي تشتد حاجة العالم إليه، لكن الأمة تحتاج إلى علماء يخططون لبناء هذا الإعلام بخيال حضاري وسياسي.
د. صالح: الأمة تحتاج بناء قوة إعلامية واتصالية للدفاع عن هويتها وحضارتها وبناء مستقبلها
ويؤكد د. صالح أن الأمة الإسلامية تواجه الكثير من التحديات، من أهمها أن أمريكا وأوروبا سيطرت على النظام الإعلامي العالمي، واستخدمته في تشويه صورة الإسلام ورموزه، وفرض الاستعمار الإعلامي والثقافي على المسلمين؛ لذلك تحتاج الأمة الإسلامية إلى بناء قوة إعلامية واتصالية للدفاع عن هويتها وحضارتها وبناء مستقبلها؛ لذلك عملت طوال 40 عاماً للتخطيط الإستراتيجي لبناء هذه القوة على أسس علمية تقوم على ما يلي:
1- تأهيل جيل جديد من الإعلاميين الإسلاميين يعتزون بهويتهم الإسلامية، وبالقدرة على إنتاج مضمون يجذب الجمهور، وبالكفاءة في تغطية الأحداث، وتحليلها وتفسيرها.. وهذا يفرض علينا تطوير عملية تعليم الإعلام بالجامعات، وتدريب الإعلاميين.
2- إنشاء وسائل إعلامية جديدة تستطيع أن تكسب قلوب الناس وعقولهم عن طريق القيام بوظائف، من أهمها الوفاء بحق الجماهير في المعرفة، وإدارة المناقشة الحرة.
3- بناء صناعة مضمون جديدة، فالإسلام يمكن أن يوفر لهذه الصناعة إمكانات التميز عن صناعة المضمون الغربية القائمة على التسلية، والمضمون الملتزم بالقيم والأخلاقيات الإسلامية يمكن أن يوفر للجمهور مضموناً يساعدهم على اكتشاف معنى جديد لحياتهم، وتحديد أهدافهم، فالعالم يغرق في طوفان المعلومات والتسلية، وهذا يمكن أن يوفر فرصاً لبناء نظام إعلامي عالمي جديد يواجه النظام الغربي بتوفير المعرفة للناس.
4- تطوير ميثاق أخلاقي إسلامي، يلتزم به الإعلاميون، ويتضمن تقديم أنفسنا إلى الجماهير كإعلاميين إسلاميين نبحث عن الحقائق من مصادر متعددة ومتنوعة، ونحرص على المصداقية، حيث إن من أهم أسباب أزمة الإعلام المعاصر أن الجماهير فقدت الثقة في المضمون الذي تقدمه لها وسائل الإعلام، والإعلاميون الإسلاميون يمكن أن يحققوا المصداقية عندما يلتزمون بالأخلاقيات الإسلامية.
5- تطوير علاقة إيجابية بين التعليم والإعلام، فالتربية الإعلامية في المدارس والجامعات يمكن أن تساهم في زيادة قدرة الطلاب للتعامل مع وسائل الإعلام وزيادة الوعي بأهمية اختيار الوسيلة ونقد المضمون والتعرض الإيجابي للوسائل الإعلامية.
العربي: الإعلام الإسلامي مهمته مواجهة المشاريع التي تنال من الثوابت والهوية الإسلامية
الرد بمنطق أقوى
ويؤكد الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة السابق قطب العربي، أن الإعلام الإسلامي مهمته الرئيسة مواجهة المشاريع التي تنال من الثوابت والهوية الإسلامية للأمة، وأن يتعامل مع تلك المشاريع الإعلامية التغريبية بنفس الأسلحة التي يستخدمونها؛ من ناحية الشكل والمضمون، فمن ناحية الشكل على الإعلام الإسلامي أن يحدد رسائله للفئات المستهدفة المتنوعة وبالوسيلة التي تناسب كل فئة من فئات الجمهور.
ويضيف: فمن الجمهور ما يناسبه الصحافة المكتوبة، ومنه ما يناسبه التلفاز، ومنه ما يناسبه وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وبالذات الشباب، ويستطيع الرد وتوضيح الافتراءات والاتهامات التي وجهها الإعلام المضاد الذي ينال من الثوابت والهوية الإسلامية؛ لأن ذلك الإعلام يستخدم أيضاً مضموناً قوياً، يستخدم كفاءات إعلامية وعلمية منحرفة بطبيعة الحال لكنها تمتلك منطقاً قوياً؛ وبالتالي ينبغي أن يكون الرد عليه بمنطق أقوى.
وأشار العربي إلى أن صاحب المشروع الإسلامي بالتأكيد لديه بضاعة صالحة وقضية ناجحة؛ ولكنها تحتاج إلى محامٍ جيد أيضاً يستطيع أن يدافع عنها، من فقهاء وإعلاميين ومفكرين ومثقفين وفنانين، وكل الفئات عليها أدوار مختلفة في مواجهة الهجمة على الثوابت والهوية الإسلامية، والإعلام الإسلامي هو القناة أو الوسيلة التي تنقل هذه المضامين إلى الجمهور المستهدف.
ومن العراق، يقول د. أيمن خالد، الإعلامي والباحث الأكاديمي: إنه يجب أن تعتمد مواجهة أي أمر على امتلاك القائم بالدفاع لأدوات الرد، التي يفترض أن تمثل الضد النوعي لسلاح العدو ومن جنس رسالته التي يستخدمها في تلك المواجهة، أو يتفوق على ما يمتلكه العدو من معلومات وحجج.
وإذا ما اتفقنا على أن التراث الإسلامي هو ميراث المسلمين من نبيهم وصحابته وعلماء المسلمين، وأعظم هذا التراث القرآن والسُّنة، وصحيح الأثر، والمخطوطات الموجودة في ذلك، ووفق هذا التصور تكون الأداة الأولى للمدافعين عن التراث الإسلامي امتلاك المعرفة والمعلومة والقدرة على توظيفها في مكانها المناسب، إضافة إلى صحة المصادر الشرعية للنصوص وتأويلها وفق القواعد الشرعية أصولاً وفقهاً، خصوصاً وأن ديننا الإسلامي قائم على البرهان لتوضيح تمام الخطاب الإسلامي الموجه للعالمين جميعاً من دون لبس أو تشكيك، فهو منهاج ودستور وشريعة حياة.
د. خالد: مواجهة أعداء التراث تعتمد على استثمار الأدوات الفنية من وسائل الترويج الإعلامي
ويضيف د. خالد أن المواجهة اليوم لأعداء التراث الإسلامي والمشككين بنتاجه تعتمد على استثمار واستغلال الأدوات العلمية والفنية من وسائل الترويج الإعلامي، والنشر تحت ظل ثورة علم الاتصال وما يتضمنه من وسائل إلكترونية ورقمية متطورة، التي يحاول أعداء الإسلام التمسك بمفاتيحها وتطويرها لصالحهم؛ لذا يتوجب لمواجهة أصحاب المشاريع المعادية للتراث الإسلامي تأمين جبهتين علميتين:
الأولى: تهيئة وتدريب كوادر ذات قدرة عالية في مجال المعلومات وتداولها، مبنية على سلامة الفكر، ومحصنة علمياً بقضايا وعلوم الشريعة ومقاصدها، وإكسابهم القدرة في مجال الصحافة والإعلام ونشر الدعوة، قادرين على الإقناع بالحجة والدليل، ومطلعين على طريقة تفكير الشعوب على اختلاف ثقافاتها ومرجعيتها الفكرية.
والثانية: تقوم على تأمين الجانب الفني والتكنولوجي لزيادة القدرة على استخدام واستثمار علم وسائل الاتصال بكل أنواعها وفروعها، من أجل إيصال رسائل الرد والدفاع عن التراث الإسلامي، سواء داخل الدول الإسلامية نفسها، أو إلى الدول والشعوب غير الإسلامية.
ويؤكد الخبير الإعلامي أنه تبقى هناك أساسيات يجب عدم إهمالها، وهي أن معادلة الداخل؛ أي الداخل العربي والإسلامي، لا تقل خطورة في المواجهة، بحسب ما نلاحظه من هجمات منظمة من تيارات علمانية مدعومة لتشويه الحضارة والتراث الإسلامي؛ ذلك الأمر الذي يتطلب العمل وفق منظورين؛ منظور الداخل ومنظور الخارج، والاستعانة بالكفاءات الإعلامية ذات التوجه الإسلامي الحقيقي.
التركيز على وسائل التواصل
وترى مدرس الإعلام ومناهج البحث في «أكسل إنترناشونال أكاديمي» هبة زكريا أنه عندما نتحدث عن الإعلام الإسلامي، فإننا بحاجة أولاً إلى تعريف هذا المصطلح، والحقيقة أنه تعريف جدلي إلى حد ما، ولا يزال قيد البحث والدراسة، فالبعض يقصد به «الإعلام الديني الإسلامي»؛ أي المعنيّ بالإسلام كدين والاهتمام بأخباره وموضوعاته وقضاياه ومناسباته الخاصة، وهو في هذه الحالة يقع تحت بند الإعلام المتخصص.
د. زكريا: مع التطور التكنولوجي هناك فرص للإعلام الإسلامي للاشتباك مع القضايا بشكل مؤثر
بينما البعض الآخر يقصد بهذا المصطلح المنصات الإعلامية المتنوعة (المقروءة، والمسموعة، والمرئية، والتفاعلية) التي تتضمن سياساتها المتعلقة بالمحتوى والأداء ضوابط تتبع الإسلام منهجاً ومقاصد، وهناك تعريف ثالث يشير إلى أن الإعلام الإسلامي هو المعنيّ بشؤون المسلمين وأخبارهم شرقاً وغرباً.
والحقيقة أن كلهم على ذات القدر من الأهمية، فالأول والثالث، في رأيي، يشيران إلى الإعلام المتخصص، أما الثاني فيشتبك مع الممارسة الإعلامية العامة كصناعة ومجال مهني، وتتنوع أدوار الثلاثة بتنوع الجمهور المستهدف وشرائحه وخصائصه، لتشمل الجمهور المتخصص والنخبوي والعام.
وتؤكد زكريا أن التنافسية بين النوع الثاني والمجال الإعلامي العام تحتدم؛ إذ يفترض به القيام بنفس الأدوار من «إخبار، توعية، ترفيه، تفاعل.. إلخ)، وبنفس مستوى الإبهار والجاذبية، ولكن بما لا يتعارض مع الضوابط الشرعية وهو التحدي الأكبر، ولكن مع التطور التكنولوجي وظهور مساحات أكثر حرية وأسهل في إنشاء المحتوى وبثه عبر الإنترنت، بل وأقل تكلفة، أصبحت هناك فرص أكبر أمام الإعلام الإسلامي للاشتباك مع القضايا الحديثة بشكل مؤثر، ولكن هنا يظهر تحدٍّ آخر؛ وهو القدرة على التفاعل عبر منصات الإعلام الجديد، والتأثير في جمهورها من الشباب ومتابعة تطوراتها المتسارعة.
وتضرب مثالاً بقضايا مثل إزالة مقابر الإمام الشافعي، وعدد من الآثار الإسلامية في مصر، وكيف تفاعل الشباب معها عبر «السوشيال ميديا»، وذهبوا يبحثون عن تاريخ هذه الآثار وفضائل ساكنيها من العلماء والحكام والمشايخ وغيرهم، ثم تحول التفاعل الافتراضي إلى واقع على الأرض عبر تنظيم زيارات جماعية لهذه الأماكن تأكيداً على أهميتها وتعبيراً عن رفض إزالتها، وكذلك قضية حي الشيخ جراح في فلسطين وكيف أصبحت محل اهتمام وتفاعل.
أما على مستوى التراث الفكري والفقهي، فهناك إشكالية «فوضى الخطاب» على منصات الإعلام الجديد، نعم هناك تفاعل وتدافع بين الخطاب الإعلامي الاجتماعي مثلاً الذي يسعى لهدم الأسرة وتحفيز الندية بين الزوجين ودعم الشذوذ الجنسي وغيره، والخطاب المناهض لذلك من منطلقات إسلامية، إلا أن غالباً ما يكون الخطاب الجاد غير جذاب، والخطاب الجذاب غير جاد وغير موثوق المصادر، ويتجدد هنا تحدي معادلة «الجاذبية، القيمة، المصداقية» لتحقيق التأثير المطلوب؛ وهو الأمر الذي على المتخصصين والممولين؛ أفراداً ومؤسسات، أن يبذلوا مزيداً من الجهد لتحقيقه.