بيت دون أطفال لا يعني توقف قطار الحياة الزوجية، لكن هذا لا يمنع من أن نقول: إن الأطفال هم مركز الكون لدى آبائهم؛ فزوجان دون أولاد كطعام دون ملح، أو حلوى دون سكر.
هذا المركز يستدعي منا -على وجه الضرورة- معرفة حاجاته؛ حتى نتمكن من تحقيقها، وصنع أطفال متزنين جسميًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا وروحيًّا وعقليًّا.
ويشترك في هذ الصنع:
أولاً: أسرة تحقق رعاية كافية لأولادها:
إن من أهم الأولويات في الوسط الأسري أن يعرف كل والد أن طفله ليس قطعة من الصلصال يُشكِّله بيديه كيفما شاء.
لقد جاء هذا الطفل إلى هذا العالم مع صفات شخصية خاصة قد لا يتمكَّن من تطويعها بسهولة، لكن على الرغم من ذلك فإن هناك سلوكيات يمكن أن يتعلَّم الطفل أنها مهمة، ومع التدريب تصبح جزءًا من شخصيته.
من هذه السلوكيات أن يتعلَّم أن يكون لطيفًا ومُراعيًا الذوق والآداب في تعامله مع الآخرين، نود جميعًا هذا، لكن المشكلة أننا لا نتصرَّف بطريقة تتناسب مع أمنياتنا تلك، يظهر ذلك بوضوح في أيام الدراسة، حيث نلتفت إلى سؤال واحد فقط وهو: كيف أدَّيتَ في المدرسة اليوم؟
وكأن أولويات الوالدين هو التفوق في التحصيل الدراسي قبل كل شيء(1).
فالعامل النفسي مهم جدًّا لتحفيز الأطفال للوصول إلى مستوى التميز الدراسي.
وكذلك الابتعاد عن مقارنة الطفل بالآخرين كوسيلة لتحفيزهم على الوصول إلى مستويات الكمال، ظنًّا منهم أن المقارنة ستؤتي ثمارها في تحفيز الطفل وتشجيعه على التميز.
هذه المقارنات السائدة في مجتمعاتنا رأينا أن السمة الغالبة فيها أنها تمييز لصالح طفل ضد طفل آخر؛ إما بسبب بعض السلوكيات، أو بعض المقومات الجسدية، متناسين خطورة وضرر التمييز السلبي على نفسية الطفل، وأنه يهز ثقته بنفسه، ويدمر إحساسه بقيمته.
إن رعاية الأطفال تكون بالحفاظ على صحتهم، وتوفير التغذية السليمة، والنوم الكافي لهم بإبعادهم قدر الإمكان عن معيقاته؛ كاستخدام الهواتف الذكية طول الوقت.
وبتنظيم جدول لهم في المنزل حسب أولوياتهم، دون إهمال للجوانب أو النشاطات التي لا غنى لهم عنها كاللعب والرياضة؛ فيكون المنزل مكانًا مرغوبًا للتعلم والقراءة، لا مكانًا يُنفر منه إلى الشارع.
على أن حرص الآباء على تحبيب أولادهم في العلم يجب ألا يكون بمقابل؛ وذلك -حسب قول أستاذة التعليم العالي د. كريمة علاق: حتى لا ننمي لديهم سلوكيات اشتراطية، فيدرسون متى أخذوا المكافأة ويرفضونها متى حرموا منها.
ثانيًا: مدرسة تمتاز بمعايير تضمن النشأة السوية للأطفال:
وذلك يكون ضمن أولويات مدروسة تضمن تحصيلاً دراسيًّا هادفًا ومميزًا يحقق تطلعات الطفل ذاته أولاً، ثم تطلعات المجتمع والأمة.
ثم إن أعمار الأطفال وظروفهم الاجتماعية تختلف، وعليه فإن أولوياتهم أيضًا تختلف تبعًا لذلك.
كما أن الحديث عن الأولويات يلزم منه توفير الوسائل البشرية والمادية:
– فمن أهم أولويات الأطفال للتحصيل الدراسي الهادف في الجانب البشري اختيار المعلم الكفؤ في كل مرحلة، معلم يتمتع بحسن الإنصات والمعاملة، ويستطيع التفاعل مع الجميع حسب طبائعهم وميولهم تفاعلاً إيجابيًّا، ويكون له القدرة على احترام رأيهم، وعدم حرمان أيّ منهم من فرصة المشاركة في النشاطات المدرسية والمجتمعية.
– أما من الجانب المادي، فترى د. علاق أن اختيار المدرسة بعناية وفق معايير عالية تضمن نشأة طفلك نشأة سوية، وهذا حسب إمكانات الوالدين المادية من جهة، وتوفر المدارس المطلوبة من جهة أخرى.
وفي حال وجود مدرسة واحدة قريبة من الحي ولا إمكانية للوالدين من توفير ذلك، فإن المتابعة والرعاية والوقوف بجانب الطفل مراقبة، لا قربًا مَرَضيًّا، الذي أساسه الخوف من الانفصال من ضروريات الرعاية الصحية النفسية للطفل.
– الاعتماد في التعليم على الحركة؛ عدم المكوث دائمًا في الأقسام التي قد تصيب الأطفال بالملل والرتابة، بل علينا الاعتماد في التعليم على الحركة والملاحظة بالتجربة والواقع الملموس سواء داخل المدرسة أو خارجها؛ وذلك يكون بالتخطيط للرحلات العلمية المتنوعة والهادفة، وهي عوامل من شأنها ترسيخ المعلومات في الأذهان أكثر، بل أفضل من التلقين في كل الأمور.
– الاهتمام بتنمية الحافظة؛ فليس معنى الاعتماد على التجربة أن الحفظ لا يمثل أهمية قصوى عندنا؛ فالحفظ أصل ثابت لا غنى للمتعلم عنه، بدءًا من حفظ الأطفال لسور القرآن الكريم الذي من شأنه توسيع ذاكرتهم ومساعدتهم على حسن الاستيعاب وتجويد سرعته، مع اكتساب لغة سليمة لا يحتاجون معها -في تلك المرحلة المبكرة من عمرهم- إلى تعلم قواعد النحو والإعراب التي قد لا يفهمها معظمهم.
– الاهتمام بتوسيع المدارك والخيال؛ فمن الأولويات التي لا يستغني عنها أي طفل اطِّلاعه على القصص الهادفة سواء أكانت تاريخية أم خيالية، فهي تعمل على تكوين شخصيته علميًّا وعمليًّا وأخلاقيًّا، إلى جانب أنها توسِّع مداركه وخياله، وتجعله يعيش في عوالم غير تلك التي يحياها في بيئته ومجتمعه.
– قبول الطفل بما هو عليه؛ يجب ملاحظة أن الطفل -كأي إنسان- بداخله كل المتناقضات، فبداخله جزء مطيع، وجزء متمرد، جزء منظَّم مجتهد وآخر كسول وفوضوي، جزء قوي وجزء ضعيف، جزء فيه ألمعية وذكاء وجزء فيه بلادة وغباء، وهو في أشد الاحتياج لأن يحصل على «القبول غير المشروط».
هذه الرسالة هي التي ستساعد الطفل على أن يحقق الالتئام بين جميع أجزائه، وأن يصل إلى التوازن والتناغم فيما بينها.
– البحث عن المواهب؛ ليس كل الأطفال مؤهلين ليكونوا علماء ونوابغ وحفظة، لكنهم درجات من أسفل سلم التحصيل العلمي إلى أعلى درجات النبوغ والألمعية.
لكنهم جميعًا يملكون المواهب المتنوعة التي ستفيدهم حتمًا في الحياة.
والأستاذ الجيد والأبوان اللماحان يبحثون دائمًا عن المواهب عند الصغار، ويعملون على تنميتها، وكيف تكون عونًا للصغار عندما يقتحمون عقبة العمل والكفاح.
– استطلاع آراء الصغار؛ نحن دائمًا نرى من باب الأبوية أننا نعرف ماذا يصلح للصغار وماذا لا يصلح، ماذا نقدِّم وماذا نؤخر، لكن لا بأس بأن نفتح حوارًا مع الصغار لمعرفة أولوياتهم دراسيًّا، نجري حوارًا يتناسب وأعمارهم المتفاوتة، ونوسع شريحة الحوار بأن يكون مع الآلاف منهم، وذلك لاستطلاع آرائهم ومعرفة اهتماماتهم دراسيًّا وحياتيًّا.
___________________
(1) https://www.aljazeera.net/midan/miscellaneous/2021/10/18/%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A3%D9%86-%D9%8A%D9%86%D9%82%D8%B1%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%B7%D9%81-%DAA%D9%81%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8QeMrOXvhloxbRCy7CPmd9uBuOwOm-tOPdWgtY