يندر أن يتطرق أحد المعاصرين للحديث عن جهود التأليف في العلوم الإسلامية أو تحقيق التراث العربي دون التطرق إلى ما بذله آل شاكر في هذا المضمار، فقد قدموا العشرات من المصنفات والتحقيقات التراثية التي أثْرت المكتبة العربية والإسلامية.
وربما يخطئ البعض في الاعتقاد أن أبا فهر محمود محمد شاكر، وشقيقه أبا الأشبال أحمد محمد شاكر، هما فقط اللذان يقتصر عليهما الجهد المشار إليه في التأليف وتحقيق التراث من بين «آل شاكر»؛ نظراً لما حققه كل منهما من شهرة واسعة مقارنة باثنين آخرين من آل شاكر لا يقل جهدهما عن أبي فهر، وأبي الأشبال، هما شقيقهما الثالث الشيخ علي محمد شاكر (أبو تراب)، ووالد الثلاثة الشيخ محمد شاكر الجرجاوي، رحمهم الله جميعاً.
شاكر الأب
يعد الشيخ محمد شاكر المولود بمدينة جرجا بصعيد مصر في مارس 1866م أحد أبرز علماء الأزهر الشريف في بدايات القرن العشرين؛ نظراً لنبوغه وتميزه منذ صباه وسنوات شبابه الأولى التي أهَّلته لأن يتقدم أقرانه على مستويات متعددة تعليمية وعلمية ووظيفية واجتماعية وسياسية، ومن ذلك مثلاً أنه وفي عام 1890م ولم يكد يبلغ الرابعة والعشرين من عمره حتى تم تعيينه أميناً للفتوى في الأزهر الشريف مع مفتي الديار المصرية وأستاذه الشيخ محمد العباسي المهدي، ليتدرج بعد ذلك في العديد من المواقع والمناصب القضائية والتعليمية حتى أصبح وكيلاً لمشيخة الأزهر عام 1909م، وهو لم يزل في الخامسة والثلاثين من عمره.
غير أن الشيخ وبعد نحو 4 سنوات تقدم باستقالته من وكالة مشيخة الأزهر، حيث تم اختياره عام 1913م عضواً بالجمعية التشريعية؛ الأمر الذي أتاح له التفرغ لأبحاثه العلمية والعمل العام ليكون واحداً من أهم زعماء الأزهر في ثورة 1919م.
وعلى الرغم من أن الشيخ محمد شاكر لم يكن من المكثرين في التأليف والتصنيف، فإنه قدم للمكتبة العربية والإسلامية بعضاً من المؤلفات التي أشاد بها المختصون، ومنها:
– كتاب «الإيضاح لمتن إيسَاغُوجِي» في المنطق الذي يرى الكثيرون أنه من أفضل الكتب المدخلية في علم المنطق.
– كتاب «الدروس الأوليَّة في العقائد الدينيَّة».
– كتاب «القول الفصل في ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأعجميَّة».
– «الدروس الأولية في السيرة النبوية».
– «الدروس الأولية في الأخلاق المرضية».
– كتاب «خلاصة الإملاء».
– كتاب «من الحماية إلى السيادة فالكلمة الآن لمصر»، وضم مقالاته المناصرة والمدافعة عن مصر.
أبو الأشبال
وأبو الأشبال هي الكنية التي كني بها الشيخ أحمد محمد شاكر الذي ولد عام 1892 وتوفي عام 1958م، ولقب بـ«عمدة المحققين» بلا منازع.
ويدرك المهتمون بتحقيق التراث حجم الجهد الذي بذله الشيخ أحمد في تحقيق العديد من التصنيفات التي كانت تحتاج إلى جهد مؤسسي، لكنه نجح في أن يفعل ذلك بمفرده، التي يبرز منها:
– شرح «مسند الإمام أحمد بن حنبلك، وكان بالنسبة له المشروع الأهم؛ إذ استغرق منه نحو خمسة وثلاثين عاماً.
– «مختصر سنن أبي داود» للحافظ المنذري.
– شرح «ألفية السيوطي في علم الحدث».
– «الكامل» للمبرد.
– كتاب «الإحكام في أصول الأحكام» لابن حزم الظاهري.
– تحقيق كتاب «الرسالة» للإمام الشافعي.
– تحقيق كتاب «المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد» لابن الجزري.
– «خصائص مسند الإمام أحمد» لأبي يوسف المديني.
– تحقيق كتاب «مفتاح كنوز السُّنة».
– تحقيق بعض أجزاء من «سنن الترمذي».
– «الأربعون النووية» للإمام النووي.
– «الباعث الحثيث شرح مختصر علوم الحديث» لابن كثير.
– «صحيح ابن حبان».
– «ألفية العراقي في مصطلح الحديث».
– «جامع البيان في تفسير القرآن» للإيجي الصفوني.
– «منجد المقرئين ومرشد الطالبين» لابن الجزري.
– «الروض المربع» في فقه الإمام أحمد بن حنبل لابن صلاح الدين.
– «نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر» لابن حجر العسقلاني.
أبو تراب
والشيخ عليّ هو الابن الثاني للشيخ محمد شاكر من حيث الترتيب الزمني لولادته التي كانت عام 1894، فيما توفي عام 1961م.
وقد أبدى اهتماماً بالأدب بعد أن التقى هو وأخوه الشيخ أحمد بالشيخ الأديب عبدالسلام الفقي الذي حبب إليه طلب الأدب فانصرف إلى دراسته.
ويبرز من جهد التصنيف والتحقيق له:
– كتابه في الإسراء والمعراج.
– المشاركة في تحقيق «تفسير الجلالين».
– تحقيق «الروض المربع بشرح زاد المستقنع» للبهوتي.
– إحدى عشرة رسالة في الاعتقاد.
أبو فهر
أما أبو فهر محمود محمد شاكر والمولود عام 1909م وأصغر أخويه أحمد، وعليّ، فاستحق عن جدارة أيضاً لقب «إمام المحققين للتراث الإسلامي في العصر الحديث»، بعد أن قدم عشرات التصنيفات والتحقيقات التي أكدت امتلاكه عقلاً واعياً ونفساً غيورة على الإسلام.
وربما كان الدافع لدى أبي فهر للاهتمام بالقضايا الفكرية والثقافية مطالعاته للمناهج الأدبية والسياسية والاجتماعية والدينية التي كانت يومئذ وبحسب وصفه تطغى كالسيل الجارف يهدم السدود ويقوض كل قائم في نفسه ليقرر أن يتحلى بالعزيمة ليمضي وحيداً متفرداً في رحلة طويلة جداً وبعيدة جداً وشاقة ومثيرة جداً، فبدأ بإعادة قراءة كل ما وقع تحت يديه ليكون نتاج ذلك وضعه لمنهج «التذوق».
وجاء الوصف الذي أطلقه الكاتب الكبير عباس العقاد على أبي فهر تلخيصاً لمنهجه المتفرد حيث وصفه بأنه «المحقق الفنان».
ويبرز من بين مؤلفات أبي فهر:
– كتاب «المتنبي».
– قصيدة «القوس العذراء».
– «أباطيل وأسمار».
– «الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام».
– «رسالة في الطريق إلى ثقافتنا».
– «مداخل إعجاز القرآن».
– رسالة «لا تسبوا أصحابيك.
– «اعصفي يا رياح» وقصائد أخرى.
– «الأحرف السبعة».
– كتاب «نمط صعب ونمط مخيف».
ومن أبرز تحقيقاته:
– «تفسير الطبري».
– «طبقات فحول الشعراء» لمحمد بن سلام الجمحي.
– «تهذيب الآثار» للطبري.
– «فضل العطاء على العسر» لأبي هلال العسكري.
– «إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع» لتقي الدين المقريزي.
– «المكافأة وحسن العقبى» لأحمد بن يوسف بن الداية.
– «جمهرة نسب قريش وأخبارها» للزبير بن بكار.
– «تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار» للطبري.
– «دلائل الإعجاز» لعبدالقاهر الجرجاني.
– «أسرار البلاغة» لعبدالقاهر الجرجاني.
ولعله يبدو جلياً من خلال هذا الاستعراض السريع أن أسرة شاكر وما بذلته من جهد جسدت قول الله تعالى: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ) (آل عمران: 34)، إذ كانوا بما قدموه نبراساً مضيئاً لكل الأجيال القادمة، ومحفزاً لكل باحث لئلا يألو جهداً من أجل العمل على خدمة العلم فحتماً سيكون لذلك ثمرته.