الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وبعد..
فلا يخفى على أبناء أمتنا الإسلامية الكبرى ما يعانيه المسلمون في فلسطين المحتلة من ظلم وبطش، وتنكيل وتعذيب، وحرمان من أدنى الحقوق المشروعة والعادلة، واتباع سياسة التمييز العنصري ضدهم في جميع مناحي الحياة، وهم صامدون صابرون، مرابطون مثابرون.
ولكن الأمر قد تعدى كل ما يمكن أن نصبر عليه، فقد بلغ المسجد الأقصى، الذي بارك الله حوله، وهو منتهى إسراء النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأولى القبلتين، وثالث المساجد الكبرى في الإسلام.
لقد تعدى ما يحاك لـ«الأقصى»، وما يخطط له: مرحلة الأنفاق التي كانت تحفر تحته، والمباني التي تشاد في أسفله، وتغيير ديموجرافية السكان حوله، ومحاولات تهويد مدينة القدس، والتضييق على أهلها الأصليين، من مسلمين ومسيحيين، والاعتداءات على المقدسات الإسلامية والمسيحية، حتى بلغت الوقاحة بالصهاينة مبلغا لا طاقة لمسلم ولا لمسيحي أن يصبر عليه، ولا سبيل لحر أن يرضى به، فقد تعددت الاقتحامات لساحات المسجد وباحاته، وبلغ من صلفهم أن يدنسوا المسجد نفسه، وأن يصبحوا هم المتحكمين فيمن يدخل فيه ومن لا يدخل؛ بل أغلقوه يوما كاملا، ومنعوا المسلمين من الدخول فيه، ثم دخلوا بجنودهم وعساكرهم ومستوطنيهم، ليعتدوا على المسلمين في داخله.
إن ما يحدث لـ«الأقصى» في هذا الوقت كارثة كبرى، لا يجوز لأمة العرب وأمة الإسلام أن تسكت عليها؛ وفرض على الأمة في مشارق الأرض ومغاربها: أن تترك القضايا الصغرى، والخلافات الجانبية، وتهتم بقضية الإسلام الأولى (قضية فلسطين)، وأن تهتم من قضية فلسطين بقضيتها الكبرى (قضية القدس)، بل تهتم من قضية القدس بقضيتها العظمي (قضية الأقصى الأسير).
أيها العرب.. أيها المسلمون.. أيها الأحرار في أنحاء العالم، هبوا من سباتكم، وانهضوا للدفاع عن حرماتكم. فحرام عليكم أن تعبث اليهود بالأقصى، ويحاولوا اقتسامه، كما فعلوا بالمسجد الإبراهيمي؛ زمانياً أو مكانياً، كل هذا مرفوض من كل مسلم ومسلمة، وفي سبيل المسجد الأقصى تراق الدماء، ويبذل المسلمون الأرواح والأموال والأولاد.
إنني أنادي علماء المسلمين في أنحاء العالم أن يزأروا بكلمة الحق في مساجدهم، وأن يعلنوا لشعوبهم المسلمة ما يجب عليهم تجاه مقدساتهم، وإنقاذ أقصاهم.
وأنادي زعماء المسلمين وحكامهم أن يتخلوا عن مصالحهم الشخصية وخلافاتهم الجزئية، ليلتقوا للدفاع عن مقدسات الأمة، وأنادي الشعوب أن يتعاون بعضها مع بعض في إجبار الحكام على الاتحاد والتعاون.
أنادي أبناء فلسطين أن ينفروا نصرة لـ«الأقصى».. من استطاع أن يصل إليه ويرابط فيه فليفعل، ومن استطاع أن يصل إلى القدس ليكثر سواد إخوانه فليفعل، وأدعو الأمة من ورائهم أن تدعم أهل فلسطين بكل ما يحتاجونه لتثبيت صمودهم، وتقوية جبهتهم.
وأدعو الأمة كلها إلى مصالحة عامة، تتصالح فيها على العدل والحق، لتهيل التراب على ما يشغلها من إحن وصراعات، وتتناسى الخلافات لتنطلق يدا واحدة، لمعركة التحرير الكبرى التي بشرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود».
{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: 40).
_______________________
موقع الشيخ يوسف القرضاوي، 11 يونيو 2014م.